أبو طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأما أبو طالب : فهو الذي تولى تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعد جده كما تقدم ، ورق عليه رقة شديدة . وكان يقدمه على أولاده .
قال الواقدي : قام أبو طالب - من سنة ثمان من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السنة العاشرة من النبوة أي ثلاثا وأربعين - يحوطه ويقوم بأمره ، ويذب عنه . ويلطف به . وقال أبو محمد بن قدامة : كان يقر بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم . وله في ذلك أشعار ، منها :
ألا أبلغـــا عنــي علـى ذاتِ بيننـا لُؤَيــا . وخُصَّـا مـن لـؤي بنـي كعب
بأنـــا وجدنـا فـي الكتـاب محـمدا نبيـا كموسى , خُطَّ في أول الكتب
" - ص 66 -" وأن عليــــه فـــي العبـــاد محبــة ولا خـير ممـن خصـه اللـه بـالحب
ومنها :
تَعَلّـــم خيــارَ النــاس أن محــمدًا وزيرٌ لموسى والمسيح ابن مريم
فلا تجــعلوا للــه نـدا وأسـلموا فإن طريق الحق ليس بمظلم
ولكنه أبى أن يدين بذلك خشية العار . ولما حضرته الوفاة : دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أمية - فقال : "يا عم قل : لا إله إلا الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله" فقالا له : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل صلى الله عليه وسلم يرددها عليه ، وهما يرددان عليه حتى كان آخر كلمة قالها : "هو على ملة عبد المطلب " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأستغفرن لك ما لم أُنْه عنك فأنزل الله تعالى : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ونزل قوله تعالى : إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ الآية .
قال ابن إسحاق : وقد رثاه ولده علي بأبيات ، منها :
أرِقْــــتُ لطـــير آخـــر الليـــل غــردا يذكـــرني شــجوا عظيمــا مجــددا
أبـا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى جــــوادًا إذا مـــا أصــدر الأمــر أوردا " - ص 67 -"
فأمســـت قــريش يفرحـون بموتـه ولســــت أرى حيــا يكــون مخــلدا
أرادوا أمـــــورا زيفتهــــا حــــلومهم ســتوردهم يومـا مـن الغـي موردا
يُرَجُّــــون تكـــذيب النبـــي وقتلـــه وأن يفـــترى قدمًــا عليــه ويجحـدا
كــذبتم وبيـت اللـه حـتى نـذيقكم صــدور العـوالي والحسـام المهندا
خلّفَ أبو طالب أربعة ذكور وابنتين . فالذكور : طالب ، وعقيل ، وجعفر ، وعلي ، وبين كل واحد عشر سنين . فطالب أسنهم ، ثم عقيل ، ثم جعفر ، ثم علي .
فأما طالب : فأخرجه المشركون يوم بدر كرها . فلما انهزم الكفار طُلِبَ ، فلم يوجد في القتلى ، ولا في الأسرى ، ولا رجع إلى مكة ، وليس له عقب .
وأما عقيل : فأُسر ذلك اليوم . ولم يكن له مال . ففداه عمه العباس .
ثم رجع إلى مكة . فأقام بها إلى السنة الثامنة . ثم هاجر إلى المدينة . فشهد مُؤتة مع أخيه جعفر . وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : وهل ترك لنا عقيل من منزل؟ .
واستمرت كفالة أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم - كما ذكرنا - فلما بلغ اثنتي عشرة سنة - وقيل : تسعًا خرج به أبو طالب إلى الشام في تجارة ، فرآه بَحيرى الراهب ، وأمر عمه أن لا يقدم به إلى الشام ؛ خوفا عليه من اليهود . فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى المدينة .
" - ص 68 -" ووقع في الترمذي . " أنه بعث معه بلالا " وهو غلط واضح . فإن بلالا إذ ذاك لعله لم يكن موجودا .