الاختلاف بين الناس أمر طبيعي
بل هو عليهم قدر حتمي ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً
وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 118 - 119].
إنها سنة الهية ماضية لا يستطيع أحد تغييرها
ولكن المستطاع أن تعرف الطريق الصحيح وأن تجتنب
الخصام الذي يورث عداوة ظاهرة
غير أن هناك خلافات قد لا يتوصل فيها إلى رأي وسط
بل يأخذ الجانبين فيها الطريق العسر و تتسع الفجوةُ فيحتاج الداء إلى دواء
اعلم أخي إن العلاج تملكه نفوس آمنت بالله وابتغت
ما عنده وتقبله قلوب امتلأت بمحبة الخير للناس وتتسع به
صدور المؤمنين
إنه التسامح نعم إنه التسامح والعفو و نسيان مامضى
والتنازل عما للنفس من حق عند الآخرين لا عن ضعف
ولا بدافع من خوف ولكن رغبة خالصة فيما عند الله
التسامح كلمة محببة إلى النفوس المؤمنة
-ولكنها كغيرها من محاسن الأخلاق - لا تأتي في أول
الأمر بسهولة ولا تنقاد لمن طلَبها براحة بال
بل لا بد -عند الإقدام عليها- من مجاهدة للنفس وتجرع
شيء من الألَم ذلك أن في التسامح شيئا من التنازل لكنه
في النهاية يمثل قمة الشجاعة وغاية الإقدام التي لا يوفق
إليها إلا ذوو العقول الكبيرة
ان من سامح الناس طابت عيشته واتسع صدره
وصفا قلبه واجتمعت على الخير همته وتفرغ لطاعة ربه
واستعد لآخرته وأفلح بوعد ربه له
حيث قال: ﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].
ومن اتصف بالشح واحتمل الحقد تنغصت عليه حياته
وضاق بالهم صدره ولم يقدم من الطاعة على شيءٍ ينفعه
ولم يستلذ بطاعة ولم يجد أثرا لقربة
وشرالناس من لا يقيل عثرة ولا يقبل عذرا ولا يستر عيبا
وشر منه من لا يُرجى خيره ولا يؤمن شره وأشد منه
شرا من يبغض الناس ويبغضونه
وفي الحديث: ((المؤمن يأْلَفُ ويُؤلَف، ولا خير فيمَن
لا يألفُ ولا يُؤلَفُ، وخيرُ الناس أنفعُهم للناس)).
و شر الناس من قال فيه - عليه الصلاة والسلام -:
((إنَّ شرَّ الناس عند الله منزلة يومَ القيامة، مَن تركَه الناسُ
اتقاءَ شرِّه))، وفي رواية: ((اتقاءَ فُحْشه)).
وإذا أراد أحد أن يعرف قيمة التسامح وأثر العفو والصفح
فليتذكر أخطاء وقعت منه تجاه الآخرين
وليستحضر زلاتٍ بدرت منه على غيره ثم أراد أن
يعتذر فما وجد عذرًا، فما يكون شعوره؟
فمن أراد أن يتجاوز اللهُ عنه فليتجاوز عن إخوانه
ومن أراد أن يغفرالله لها فليعفُ وليصفح
قال - سبحانه -:﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ
أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]
إن خير التسامح ما كان بعد الخطأ مباشرة لأن فيه تجرعا
للغيظ واحتمالا لبلاء عظيمٍ يرد على النفس في تلك الحال
كالجبال فإذا استصغره المرءُ في وقته تعظيمًا لله وإيثارًا
لما عنده كان أجره عنده عظيما، وثوابه جزيلا
قال -عليه الصلاة والسلام -: ((ما مِن جُرْعةٍ أعظم عند الله
أجرًا من جُرْعة غيظٍ كظمَها عبدٌ ابتغاءَ وجْه الله)).