كشعاع شمس يبعث الدِّفء والأمان، تتسلل العواطف لقلوبنا لتشعرنا بدفء مُميز، تنبض معه القلوب وتضطرب، لكنها قد تحرق أحيانًا، فنهاب لهيبها، وننشد ليلاً لا ينبلج كي لا نعاني لهبَها المستعر.
القلب ينبض ليمدنا بالحياة، وينبض ليشعرنا بلذتها، ينبض بقوة وترتجف قلوبنا جَذْلَى لشعورٍ نحتاجه لنقتات منه ليومنا وغدنا، ولكنها في الوقت نفسه قد تنبض اضطرابًا، ويسبب لنا الألم، ونعجز عن إيقاف نبض يَدُقُّ بقوة معلنًا الخطر.
في لحظات حماسنا واندفاعنا نجد صوتَ العقل يكبح جماح ثورتنا ليعيدنا لأرض الواقع، نصطدم بها بألم بعد أن حلَّقنا عاليًا، ولامسنا السحب.
بأيهما تنجح حياتنا: بقلوب فتيَّة نابضة أم بعقول ناضجة واعية؟ ولماذا يسعدنا القلب تارة، ويتعسنا أخرى؟ وكيف نجد به لذة الخشوع، وألَمَ المعصية والهوى؟ وكيف تنبض القلوب بحبٍّ يعطيها، وحب يستهلكها دون أن تفرق؟ وكيف نتغلب على وَهْم عاطفة اعترضت حياتنا؟
المشاعر سلاحٌ ذو حدَّين، قد تضفي البهجة للحياة، وقد تدمِّر حياة أخرى، فكيف نتعلم استخدامَ هذا السلاح ليحمينا لا ليؤذينا؟ وهل حقًّا لنسعد لا بُدَّ لنا من أن نجمد مشاعرنا، ولا نلقي لها بالاً.
أسئلة كثيرة تجول بأذهان الكثيرين، وتكون سببًا في معاناتهم بحياتهم، والبداية من الأسرة، وتَمتد للأسرة ثانية، فحينما نفتقد الإشباع العاطفي، وحينما نفتقد تواصلنا بشكل جيد مع قلوبنا، وحينما نعاني جهلاً عاطفيًّا، نكون أكثر عرضة للمشكلات.
لفترة اعتقدت أن صوتَ القلب خادع، ولا بد من عقل قويٍّ يسيِّر الحياة، لكن معاناة الكثيرين من أصحاب العقول المميزة أثبتت لي أنَّ القلب يتمرد كثيرًا، وأن المشاعر لا تَموت مهما دفنتها الأيام، سيأتي يومٌ تتمرد فيه، وقد تؤذي وقتها، فتصعب السيطرة عليها.
ونماذج مضيئة أثبتت لي أنَّ أصحاب القلوب الذكية استطاعوا أن يُحققوا الكثير بفضل الله، ثم بفضل عاطفة قويَّة من إيمان وصدق، حَرَّكت قلوبهم، فامتد شعاعها ليملأ الكون ضياء ونورًا.
نعم، قد يخدع القلب حينما يسير باتِّجاه يعاكس العقل، لكنَّه يكون رائعًا حينما ينطلق شعاعه ليمر بعقل ناضج، ويَمتد بعده بطموح لا تحده قيود، وقتها فقط يُمكنه أن يكون قلبًا ذكيًّا، ويُمكن أن نقول وقتها: إنَّ لنا قلوبًا نعقل بها.
الذكاء العقلي ليس كافيًا لحياة سعيدة فقد أثبتت الدِّراسات أن كثيرًا من الأسر يتمتع الأزواج بها بقدرٍ عالٍ من الذكاء العقلي، لكنهم يعانون فشلاً شديدًا في العلاقة، ويعانون نسبةَ مشكلاتٍ وطلاقٍ عاليةً، بينما هناك أسر مستقرة وسعيدة، رغم أنَّ الزوجين ليس لديهما ذكاء عقلي مُرتفع، لكنهما يتمتعان بذكاء عاطفي عالٍ.
لنصل لذلك الذكاء نحتاج أنْ ندرك بداية كيف كانت مساحة العاطفة بحياتنا الأسرية منذ طفولتنا؟ وما نظرتنا للمشاعر بحياتنا؟