بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين وعلى أصحابه ومن تبعهم إلى يوم الدين أما بعد :
فرسالتي هذه .. مهمةٌ للجميعِ ..
مهمٌ لطالبِ العلمِ حتى يصلَ إلى بغيتِه وهدفهِ المنشود ..
ومهمٌ لرجالِ الأعمالِ حتى يستطيعَ أن يُنجزَ أكبرَ قدرٍ ممكنٍ من المشاريعِ والأفكارِ في وقتٍ قليلٍ وجهدٍ يسيرٍ ،
وهو مهمٌ للمرأةِ التي تريدُ أن تَستثمرَ وقتَها، وتشتكي من قلةِ الوقتِ وضيقهِ .
إذن لن يكون الحديثُ مخصوصاً لفئةٍ معينةٍ بل سيكونُ حديثي لجميعِ فئاتِ المجتمعِ ..التجارُ و الأطباءُ ، والمهندسون ورجالُ الأمن الأمناءُ ، وإن كان هذا الموضوعُ يُهمُ بعنايةٍ فائقةٍ طالبَ العلمِ ؛ لأنه من المفترضِ أن يكون من أشدِّ الناسِ حرصاً على إدراكِ هذا الموضوعِ وفهمهِ ومن ثم تطبيقِه والعملِ به .
هذا الموضوعُ هو كيفَ تنظمُ وقتك ؟ بحيثُ لا تكون عشوائياً ..لك في كلِّ يومِ فكرةٌ ، وفي كلِّ ليلةٍ عملٌ وخَطْرةٌ .
و أولُ العقباتِ التي تصادفُنا في هذا الموضوعِ شكايةُ كثيرٍ من الناسِ من الفراغِ ..نعم الفراغُ الذي هو نعمةٌ في أصلهِ ..أصبحَ الآن عند فئامٍ كثيرةٍ من الناسِ نقمةً يقولُ النبي r : " نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ الصحةُ والفراغ " رواه البخاري .
وسببُ هذا الفراغِ :
غيابُ الاهتماماتِ الكبرى في حياةِ المسلمِ وضميرهِ ، فكلما غابتِ تلك الأحاسيسُ ..وهاتيك الاهتماماتُ ..زادت هوةُ الفراغِ في حياةِ المسلمِ وانشغالهِ بقضايا هامشيةٍ يشتركُ هو وغيرهُ من سائرِ الحيواناتِ فيها..فغيابُ الأهدافِ العاليةِ ، والمقاصدِ الساميةِ ، والغاياتِ النبيلة ..تجعلُ الإنسانَ يعيشُ حياةَ الفوضوية، ثم يصبحُ نسيا منسيا ..لا أثرَ له في واقعِ الحياة ..ولا تأثيرَ له في مجرياتِ الأمور .
ولكن حين كان الوعيُ ناميا ، والغاياتُ عالية ..كانت المشاغلُ متراكمةٌ ، والأعمالُ متزايدةٌ ، لدى أسلافنِا الأوائلِ .
قل لي بربك : كمْ من المدائنِ فُتحت ؟ وكم من الكتبِ والمؤلفات صنفت ؟ وكم من المخترعاتِ والمبتكرات ابتدعت ؟!! وكم من الإنجازاتِ تحققت ؟ !!
هذا أبو هريرةُ رضي الله عنه لزمَ رسولَ الله r على شبعِ بطنهِ ، وربما صُرِعَ بين الحجرةِ والمنبرِ من الجوعِ ..لكن ماذا حقق للأمةِ من خيرٍ عظيمٍ ..ونفعٍ عميم ؟!!
أحمدُ بنُ حنبلُ رحمه الله طافتْ به همتُه الدنيا من أجلِ الحديثِ ، فحفظَ أكثرَ من ألفِ ألفِ حديثٍ ..أي مليونِ حديثٍ ، فترك لنا المسندَ ، وتركَ العلمَ للعالمِ .
والبخاريُ رحمه الله ألفَ كتابَ الصحيحِ وحفظَ تواريخَ الرواةِ وأكثرَ الشيوخِ ، وكان يطوفُ البلادَ الإسلاميةَ ذاهباً وآيباً ، وليس همُه إلا الحديثَ . فبلغه الله ما أراد .
وألّف ابنُ عقيلٍ الحنبلي في أوقاتِ فراغهِ كتابَ الفنونِ في سبعمائةِ مجلد !! وابنُ حجرٍ يُؤلفُ كتابَ فتحِ الباري فيعجزُ كثيرٌ من العلماءِ عن مجردِ قراءتهِ ، وقسمتُ كتبَ ابنِ جريرٍ الطبري على عددِ أيامِ عمرهِ فصارَ لكلِّ يومٍ كُراسةً من التأليفِ ، وابنُ الجوزي يؤلفُ أكثرَ من ألفِ مصنفٍ !! ومن العلماءِ من وزعَ ليلَهُ أثلاثا : ثلثاً لنومهِ ، وثلثا لتهجده ، وثلثا لمذاكرةِ العلم .
وحتى لا يقولَ قائلٌ : هؤلاء لم يدركوا ما نحنُ عليه الآن من زمنٍ انفتحتْ في الشهواتُ، واتسعتْ فيه دائرةُ الملذاتِ والملهياتِ ، فهذا شيخنا العلامةُ ابنُ عثيمين رحمه الله تعالى ..ومن منا لا يعرفُ هذه الشخصيةَ الفذةَ في تنظيمِ وقتهِا ، وترتيبِ زمانِها ..فهاهو قد وضعَ برنامجا لنفسهِ ..فهو يخصصُ ليلةً في الشهرِ للخطباء ..وليلةً للقضاة ..وليلةً لمشرفي تحفيظِ القرآنِ الكريم ..وليلةً لطلبةِ العلم ..وليلةً لأهلِ الحسبة ..ولقاءً أسبوعياً للعامةِ في منـزلهِ ..ولقاءً شهريا في مسجده.. وجانبٌ آخرَ تنظيمهُ لدروسهِ فلكلِّ درسِ وقتُه المحددُ لا يتجاوزُه ، وأصبحَ صوتُ الساعةِ مؤذناً بانتهاءِ الدرسِ لدرسٍ آخرَ وهكذا ..وتخصيصُه للإفتاءِ على الهاتفِ بعد الظهرِ ..ومن منا لم يسمعْ صوتَ الشيخِ وهو يُوضحُ له ذلك ؟! ولا يعني هذا أنه نسي الجانبَ الإيمانيَ لنفسِه فهو رحمه الله لا يسمحُ لأحدٍ أن يستفتيَه أو يحدثَه بعد الصلاةِ حتى ينتهي من وردهِ وذكرهِ ، و قد خصصَ سيرهَ إلى مسجدهِ لمراجعةِ القرآنِ الكريم ، ولا يأذنُ لأحدٍ بالحديثِ معَه ، بل أحياناً يقفُ عند بوابةِ المسجدِ من أجلِّ أن يُتمَ حزبَه الذي خصصَه !! فرحمك الله رحمة واسعة .
هكذا كانتْ أحوالهُم ..يوم ارتقتْ اهتماماتُهم ..وهكذا كانت إنجازاتُهم ..يومَ اتسعت مداركهُم ،ونضجتْ عقولُهم وأفكارُهم .
على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارم
وتعظمُ في عينِ الصغيرِ صغارُها وتصغرُ في عينِ العظيمِ العظائمُ
إننا مطالبون اليومَ بالسيرِ على ما ساروا عليه ، وأن نقتفي أثرَهُم ، ونحذوا حذوَهُم ..لنصل إلى القمةِ الشماءِ ، والمرتبةِ العليا .
ولعلنا بعدَ هذا العرضِ قد عزمنا على أن تكونَ لنا أهدافٌ منشودة ، وغايةٌ مقصودة بإذن الله تعالى :
لكن لابد أن تكون هذه الأهدافُ شرعيةٌ ، والغاياتُ نبيلة ، والمقاصدُ سامية،فالثراءُ مثلا : هدفٌ تطمحُ إليه النفوسُ ولكن هل يتخذُ من الربا والمعاملاتِ المحرمةِ وسيلةً لبلوغِ هذه الغاية ؟!! ومن أراد أن يتفوقَ في دراستهِ هل يتخذُ من الغشِ والاحتيالِ وسيلةً لبلوغِ هدفِه ؟!
وقد تتساءلُ أخي الكريم : كيف يمكنُ الوصولُ إلى غايتي وهدفي بأفضلِ طريقةٍ ، وأخصرِ وسيلة ؟!!
وإجابةٌ لسؤالك ؛ اطرحُ هذه الأسئلةِ عليك :
هل يمكنُ الوصولُ إلى غايتِك من خلالِ حياةِ العشوائية ؟
هل يمكن أن تُحقق أهدافَك من خلالِ الارتجاليةِ والعفوية ؟
هل يمكنُ أن تنجزَ هدفَك بوقتٍ مقبولٍ بدون دراسةٍ ولا تخطيطٍ مسبق ؟ !
إذن : أفضلُ طريقةٍ ،وأخصرُ وسيلةٍ لبلوغِ الأهدافِ والغاياتِ هو أن تعملَ ما يلي :
أولاً : أن تخططَ للمستقبلك .
ثانياً : أن تنظمَ نفسَك .
ثالثاً : أن تنفذَ وتطبيقَ بدقةٍ وعناية .
ونبدأ أولاً : بالحديثِ عن القضيةِ الأولى وهي قضيةُ التخطيط .
إن التخطيطَ لأي عملٍ ؛ عملٌ مشروعٌ ، فعلَه خيرُ البرية وأزكى البشريةِ r فمن ذلك :
عندما عزمَ r الانتقالَ من مكةَ إلى المدينةِ في هجرتهِ العظيمةِ ..لم تقمْ تلك الرحلةُ بعشوائيةِ ، بل خططَ لهذه المسيرةِ الخطيرةِ والتي يعلمُ r حجمَ المؤامرةِ التي تحاكُ له في جنحِ الظلامِ للقضاءِ عليه ..فمن ذلك ذهابُه r متقنعاً لبيتِ أبي بكرٍ الصديقِ في وقتٍ لم يكن يأتيهِ فيه ،حتى استنكرَ أبو بكرٍ هذا المجيءَ ، وعلمَ أن هذا القدومَ إنما هو لغايةٍ عظيمة ..ثم أمرُه r لأبي بكرٍ أن يُخرجَ من كان عندَه ..ليَعرضَ عليه أمرَه الذي جاءَ من أجلهِ ..حتى طمأنَهُ أبو بكر ؛ وقال : هم أهلُكَ يا رسولَ الله .. بعد ذلك أبرمَ r خطةَ الهجرةِ مع صاحبهِ رضي الله عنه ..وأيضاُ : أمرُه r لعلي بنِ أبي طالبٍ أن ينامَ في مكانهِ حتى يؤخرَ الطلبَ عنه ويمكنَهُ الابتعادَ أكثرَ ..ثم خروجُه r مع أبي بكرٍ من البابِ الخلفي ، ليَخرجَ من مكةَ على عجلٍ ، ثم سلوكُه r لطريقٍ غيرِ معتادٍ ومتوقعٍ لأهلِ مكة َ، ثم صعودهُ r لجبلٍ شامخٍ وعرٍ صعبِ المرتقى ذا أحجارٍ كثيرةٍ ..ومكوثهُ r فيه ثلاثةَ أيام .. كلُّ هذا وغيُره تخطيطٌ لصرفِ الأنظارِ عنه r وبلوغهُ للغايةِ التي قصدَها ..وهي وصولُه إلى المدينةِ سالما ، ومن ثم مواصلةُ رحلتهِ الدعويةِ إلى الله تعالى .
وإذا انتقلنا إلى صورةٍ أخرى من صورِ تخطيطهِ r وحرصهِ على هذا المبدأِ في حياتهِ ما كان يفعلُه r في غزواتهِ حيث قلَّ ما كان يريدُ غزوةً إلا ورى بغيرهِا .
أخي المبارك : إن من خلالِ التخطيطِ المدروسِ تستطيعُ أن تكسبَ الفوائدَ التالية :
1- تحديدُ الأهدافِ المقصودةِ ، والغاياتِ المنشودةِ ،والتي تطمحُ أن تصلَ إليها ، وأن تنجزَها
2- إمكانيةُ التنسيقِ بين جهودكِ وأعمالكِ الأخرى .
3- معرفةُ كميةِ الجهدِ الذي تحتاجُه للوصولِ لهدفِك .
4- معرفةُ الوقتِ المناسبِ لقضاءِ هذا الهدفِ والحصولِ عليه .
5- معرفةُ العقباتِ التي يمكنُ أن تعرقلَ مسيرك .
6- معرفةُ الوسائلِ التي يمكنُ من خلالِها الوصولُ إلى الهدفِ بأفضلِ طريقة .
فإذا اتضحتْ هذه الحقائقُ في ذهنِك ، ورسمتَها بقلمِك ، فإن معالمَ الطريقِ قد اتضحتْ لك ، وسبلُ الوصولِ إليه قد تبينتْ ، ولم يبقْ إلا أن تعرفَ الأسبابَ الشرعيةَ الموصلةَ لهدفِك المشروع ، و تستعدَ للسيرِ على هذا الطريقِ ، الذي جعلتَهُ على هيئةِ مراحلَ ؛ لكلِّ مرحلةٍ زمنيةٍ كافيةٍ أهدافٌ معينةٌ ممكنة ، فكلما انتهيتَ من مرحلةٍ زادَ نشاطُك ، وعلت همتُك ، وتاقتْ نفسُك ، لبلوغِ الغايةِ والهدفِ .وأدركتَ أهميةَ الوقتِ الذي هو حياتُك وعمرُك ،
روي عن الحسنِ البصري (رحمه الله) أنه قالَ: ( يا ابنَ آدمَ، إنما أنتَ أيامٌ، كلما ذهبَ يومٌ ذهبَ بعضُك) :
دقــاتُ قـلبِ المرءِ قائلةٌ لـه إن الـحـياةَ دقائقٌ وثوان
فارفعَ لنفسِك قبلَّ موتِك ذكرَها فالذكرُ للإنسانِ عمرٌ ثـان
قواعدُ في التخطيط :
1- أن تكون الأهدافُ المقصودةُ ممكنةَ التنفيذ . فمن الخطأِ في التخطيطِ أن تفكرَ أن تتخرجَ من كليةِ الطبِ في سنتين مثلا .
2- أن تكون الأهدافُ واضحةً لا غبشَ فيها . كمن وضعَ نصبَ عينيه أن يكون صاحبَ منصبٍ !! المناصبُ كثيرةٌ فأي المناصبِ تريد ؟ هل مثلاً أن تكون عالما أو ضابطا أو طبيبا أو مهندسا ، فلا بد إذن من أن يكون الهدفُ واضحاً .
3- أن يكون الوقتُ الذي حددتَه لهذه الأهدافِ كافياً ، فمن أراد أن يحفظَ ألفَ حديثٍ مثلا لابد أن يكون الوقتُ المحددِ لها كافياً لأن الزيادةَ أو النقصانَ تسببان للإنسانِ إما الإحباطَ أو ضياعَ الوقت .
4- أن يكون التخطيطُ مكتوباً في ورقة .
5- أن يكون المخطَطُ قابلا للتغييرِ للظروفِ الصعبة ، فمثلا لو طَلبَ منك الوالدُ حاجةً للمنزلِ وأنتَ قد رسمتْ برنامجاً لهذا الوقتِ فماذا تفعل ؟ يمكنُ أن تفعلَ أشياءَ كثيرةً حتى تستغلَ هذا الوقت : بحفظِ متٍن مثلا ، أو سماعِ شريطٍ تريدُ سماعَه ، أو مراجعةٍ لكتابِ الله تعالى .
6- أن يوجدَ في المخطَطِ وقتٌ للراحةِ والاستجمام ؛ لأن النفسَ قد تملُ وتكلُ فإذا روحتَ عليها عادتْ إلى الجدِ والعملِ بقوةٍ ونشاط .
7- جمعُ الوسائلِ التي يتمٌ من خلالِها تحقيقُ الأهدافِ . فمثلا :
من أراد أن يتقن متن البيقونيةِ في الحديثِ حفظا وفهماً فمن الوسائلِ لتحقيقِ هذا الهدف :
ـ تحديدُ وقتِ الحفظ ـ تحديدُ من ستقرأُ عليه هذا المتنَ ـ جمعُ الشروحِ المتعلقةِ بهذا المتن ـ تلخيصُ الشرحِ على نسختِك الخاصةِ أو بطريقةٍ مناسبةٍ لك .
مثالٌ آخر : من أرادَ أن يفتحَ مشروعاً تجارياً فمن الوسائل :
الاستخارة ـ إقامةُ دراسةٍ لهذا المشروع ـ وجودُ رأسِ المال ـ تحديدُ الأيدي العاملةِ التي تقومُ على هذا المشروعِ ـ وغيرهِا من الوسائل .
بهذا التخطيطِ تشعرُ بأهميةِ الوقتِ ، وتقضي على مشكلةِ الفراغِ الذي تعاني منه ، فوضعُك لبرنامجٍ محددٍ هو بدايةُ تحريِك نفسِك ، وبعثِ همتِك لاستدراكِ الفائت ، أو اغتنامِ الحاضر ، والاستعدادِ للمستقبل .
يقولُ الله تعالى : (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )) أي لنوفقنهم لإصابةِ الطريقِ المستقيم .
عقبات في طريق التخطيط
قد تقولُ إن التخطيطَ قد تعتريهِ عقباتٌ كؤودةٌ ، وعوارضُ صعبة ، من همومٍ وغموم ، وأمراضٍ موجعة ، وزياراتٍ محرجة ، ومناسبةٍ متعددة ،مما يَقلبُ الأملَ يأسا ، والتفاؤلَ تشاؤما ، والهمةَ العاليةَ فتورا ؟
فأقولُ : لابد أن تدركَ ما يلي :
أولاً : أن التخطيطَ إنما هو رسمٌ لمنهجٍ موصلٍ إلى الغايةِ المطلوبةِ ، و ليس تشريعاً لا يجوزُ لك أن تتجاوزَه في وقتِ المصائبِ ونحوهِا .
ثانياً : بإمكانِك أن تستغلَ هذه العوارضَ بما يُلائمُ وضعَك ، ويناسبُ وقتك ، من قراءةِ قرآن ، أو اتصالٍ هاتفي ، أو كتابةِ رسالة ، أو ذكرٍ لله تعالى ، وهذا ما أوصى به النبيُ r فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله r : ((إن قامتْ الساعةُ وبيدِ أحدكِم فسيلةٌ، فإن استطاعَ أن لا يقومَ حتى يغرسَها فليفعلْ)) فالإسلامُ يحثُّ المسلمَ على الاستفادةِ القصوى من الوقتِ حتى في أشدِّ الظروفِ صعوبةً وهو عند قيامِ الساعةِ !!
وأنتْ الآن تُشاهدُ خلقاً كثيراً من الناسِ تضيعُ أوقاتُهم سداً دون أدنى فائدةٍ تُذكرُ ولعلي أذكرُ لكم نماذجَ من ذلك فمثلاً :
ـ انظر كمْ هم الذين يستغلونَ الوقتْ في ركوبِهم للسيارةِ أو الطائرةِ أو غيرهِا من وسائلِ المواصلاتِ ، وهذا الاستغلالُ على حسبِ اتجاهاتِ الشخصِ وميولهِ وأهدافهِ ؟
_ انظر مثلاً إلى رجلِ الأمنِ عندما يقفُ للحراسةِ والمرابطةِ لماذا لا يستغلُ هذا الوقتَ مثلاً بذكرِ لله تعالى أو مراجعةِ سورةٍ قد حفظَها أو نحو ذلك من الأعمالِ التي لا تُؤثرُ على عملهِ الذي هو فيه .
- انظر مثلاَ الذين يُراقبون أبناءَنا الطلابِ أثناءَ الاختباراتِ فمَنْ منهُم استغلْ وقتَ المراقبةِ بمراجعةِ سورةٍ أو ذكرٍ لله تعالى أو حفظِ أبياتٍ نافعةٍ يسيرة ..يُحدثني أحدُ المشائخِ بأنه أثناءَ المراقبةِ يُراجعُ ستةَ أجزاءٍ من القرآنِ الكريم ، وآخرُ يقول :بأن قد حفظَ متنينِ من متون العلم في هذا الوقت دون أن يشغلَه عن المتابعةِ والمراقبة .
ـ مثالٌ آخر : أصحابُ المحلاتِ التجاريةِ باختلافِ أصنافهِا كم هم الذين يستغلونَ أوقاتَهم وقتَ فراغهمِ ؟! تجد بعضهم إما أن يقلبَ صفحاتِ الجرائدِ والمجلاتِ ، أو ينظر فيمن يروحون ويجيئون .
وقل هذا في أصحاب الوظائف والمكاتب وغيرها . اعرف شخصا يُنهي جميع أعماله الوظيفية بسرعة وينجزُها في أولِ وقتهِا وبعد ذلك يبقى طوالِ الوقتِ مع كتابهِ للقراءةِ والاستفادة .
فهذه وغيرُها عوارضُ قد تفسدُ على الإنسانِ ما خططَ له ..ولكن كما قلتُ سابقاً يمكنُ للإنسانِ أن يستفيدَ من هذه العوارضِ بقدرِ الإمكانِ دون أن يختلَ جدولَهُ اليومي .
ثانياً : التنظيم
بعد أن أدركنا أهميةَ التخطيطِ وطريقتَه ، بقي علينا أن نعرفَ القضيةَ الثانيةَ ، وهي لا تقلُ عن سابقتِها في الأهميةِ ألا وهي التنظيمُ .
لو جازَ لكلِّ أمةٍ في الدنيا أن لا تنظمَ نفسَها ، لما جازَ للمسلمين ؛ لأن دينَهم يقومُ على التنظيمِ والترتيبِ بالدقائقِ والثواني ، فالذي يُصلي قيلَ موعدِ الصلاةِ بخمسِ دقائق ؛ هلْ تصحُ صلاتُه ؟ ، والذي يفطرُ قبلَ أذانِ المغربِ بخمسِ دقائق ، هلْ يصحَ صومُه ، والذي يصلْ عرفةَ بعد طلوعِ فجرِ يومِ النحرِ بخمسِ دقائقَ لا يصحُ حجُه ، كلُّ ذلك لتعليمِنا النظامَ وضبطَ النفسِ ، وإلا فماذا يَضرُ الصائمَ في الصيفِ (عقلاً لا شرعاً) إن صامَ أربعةَ عشرَ ساعةً إلا خمسَ دقائقَ ؟!
إذن من الحِكَمِ المرادةِ أن نتعودَ على النظامِ في أعمالنِا كلِها ، وألا نُصابَ بطاعونِ العشوائيةِ والفوضويةِ في حياتنا .
هناك عواملُ تساعدُك على تنظيمِ جميعِ أمورِك منها :
1- اكتبْ أي معلومةٍ تريدُها مباشرةً ، ثم ضعْ هذه الورقةَ في مكانٍ تكونُ متأكداً من وقوعِ بصركَ عليها.
2- حاولْ أن تتجاهلَ بعضَ المشكلاتِ ، فهذا هو خيرُ علاجٍ للقضاءٍ عليها .
3- قسمْ الأعمالَ المطلوبةَ إلى مجموعاتٍ بحيثُ تجمعُ الأعمالَ المتشابهةَ في مجموعةٍ واحدةٍ .فمثلاً :
- تريدُ شراءَ بعضِ الخضارِ وبعضِ المأكولاتِ والمرطباتِ فتذهبُ إلى الأماكنِ التي تجمعُ هذين الأمرينِ حتى لا يضيعَ عليكَ الوقتُ .
- مثالٌ آخرَ : تريدُ شراءَ كتبٍ و أشرطةٍ و تصويرِ أوراقٍ و زيارةِ قريبٍ و شراءَ بعضِ الخضارِ والفواكه ، فماذا تفعل ؟
قسمْ هذه الأعمالَ إلى مجموعاتٍ ..فنقسمُها إلى ثلاثةِ أقسام : أدواتٌ مدرسية وصلةٌ رحم ، والخضارُ والفواكه ؟ بعد ذلك هلْ يمكنُ أن تقومَ بها في مسيرةٍ واحدةٍ من خلالِ ما يلي :
4- هل يوجدُ حولَ منزلِ قريبِك من يبيعُ أدواتٍ مدرسيةٍ وفواكهَ وخضار ؟ فإن كان كذلك فإنك بذلكَ توفرُ على نفسِك أوقاتٍ كثيرةٍ يُمكنُ من خلالِ عدمِ التنظيمِ أن تضيعَ سدى .
5- عدمُ تركِ المهامِ غيرُ منتهيةٍ؛ فالتنقلُ من موضوعٍ لآخرَ سوفُ يُضيعُ عليك وقتك ، ولن تصلَ إلى هدفِك فتصبحُ كالمنبتْ لا أرضا قطعَ ولا ظهراً أبقى .
- مثالُ ذلك : من أرادَ أن يحفظَ عمدةَ الأحكامِ فيبدأُ بالحفظِ ، فيحفظُ مائةَ حديثٍ مثلا ، فتعلو همتهُ فينتقلْ ليحفظَ في كتابِ بلوغِ المرامِ فيحفظُ تسعيَن حديثا ، فتعلو همتُه فيحفظُ في مختصرِ صحيحِ مسلمٍ خمسين حديثاً ثم بعد ذلك ينقطعُ ويفترُ والنتيجةُ لا شيء !!
- مثالٌ آخرَ : قررَ محمدٌ أن يقرأَ كتابَ فتحِ المجيدِ شرحَ كتابِ التوحيدِ وخصصَ له وقتاً وبدأ بالقراءةِ وبعد أن قطعَ مشاوراً لا بأسَ به غيَر وجهةَ نظرهِ فانتقلَ إلى كتابٍ آخر ، ثم إلى آخرَ وهكذا فينتهي عمرُه وهو يتنقلُ من كتابٍ إلى آخرَ دون أن يُتمَّ قراءةَ واحدٍ منها .
6- حاولْ أن تقللَ من الأعمالِ (الروتينيةِ)، وهي الأعمالُ اليوميةِ ذاتِ الطبيعةِ النمطيةِ والتي تشكلُ قيمةً يسيرةً لتحقيقَ الأهدافَ العامة.
مثالُ ذلك : شراء الخبر يمكن أن تشتري ما يكفيك لمدة سبعة أيام مثلا بدلا من أن تذهب في كلِّ يوم لشرائه .
مثالٌ آخر : دفترُ التحضيرِ للمعلمين ؛ هذا عملٌ يقومُ به المعلمُ يومياً في الغالبِ ولذا يمكنُ أن يتقللَ منه من خلالِ تصميمِ ورقةِ التحضيرِ في الحاسبِ الآلي وكتابةِ التحضيرِ فيها ، وفي كلِّ عامٍ يطبعُ هذه الأوراقَ مع تغييرِ التاريخِ والحصةِ وإن كان هناكَ زيادةٌ يسيرةٌ سجلَها ودونَها ، ثم توضعُ في ملفٍ ، وبذلك يحفظُ المعلمُ وقتَه من إعادةِ الجهدِ مراتٍ عديدة وكراتٍ مديدة دون فائدةٍ تُذكرْ .
7- حاولْ استغلالَ الأجهزةِ والمعداتِ الحديثةِ التي تحفظُ وقتك ،كأجهزةِ التصويرِ و(الفاكس) والحاسبِ الآلي ، وبالنسبةِ للمرأةِ أجهزةُ الطبخِ أو الغسيلِ أو كي الملابسِ ونحو ذلك
8- تعلمْ في الاتصالاتِ الشفاهيةِ (هاتفٌ أو مقابلاتٌ) كيفَ تقطعُ المحادثاتِ أو النقاشَ بأسلوبٍ لبقٍ وواضحٍ عندما تعتقدُ أن الموضوعَ قد تم تغطيتُه تماماً.
9- اتقنْ قولَ (لا) عندما ترى أن الاستجابةَ معناها ضياعُ الوقتِ وإفسادُ سُلَّمِ أولوياتِك، فالخجلُ والمجاملاتُ قد يضرانِ بك وبالآخرينَ كثيراً.
10- ضعْ أكثرِ النشاطاتِ أهميةً وأكثرَها صعوبةً والأعمالَ التي تتطلبُ تركيزاً كبيراً فـي ساعاتِ صفائِك الذهني، والتي تكون فيها في أوجِ نشاطك.
- فمثلا من الأعمالِ المهمةِ حفظُ القرآنِ أو السنةِ النبوية أو المنظومةِ العلمية فتخصصُ لها مثلاً بعد الفجرِ أو بعد المغربِ ،والقراءةَ في كتبِ الأدبِ والسيرةِ تخصصُ لها وقتَ القليلةِ مثلا أو عند النومِ لأنها لا تحتاجُ إلى إعمالِ فكرٍ كثير .
10- لا تضيّعْ وقتكَ في القيامِ بالمهامِ المستحيلةِ ، كمن يريدُ أن يقرأَ كتاباً باللغةِ الإنجليزيةِ وهو لا يحسنُ حرفاً واحداً منها
من أهمْ القضايا في التنظيمِ كيفْ تُنظمُ أوراقَك ؟ ويمكن ذلك من عدةِ طرقٍ :
- أن تضعَ الأوراقَ في ملفاتٍ لكلِّ ملفٍ موضوعٌ خاصٌ به مثلا : ملفْ لقضايا المرأةِ ، وملفٌ لأنشطةِ المسجدِ ، وملفٌ للمسابقات ،وملفٌ للأوراق الخاصةِ بعائلتك ،وملفٌ للفواتيرِ والضماناتِ ، وهكذا فكلُ ورقةٍ تأتي تضعَها في ملفِها الخاصِ بها .
- أو أن تضعَ أدراجاً لكلِّ درجِ موضوعٌ خاصٌ به ،فدرج لأوراق المدرسة مثلا ، ودرج لأوراقك الخاصة ، ودرج للفتاوى ، ودرج للبحوث ..وهكذا .وتكتبُ على كلِّ درجٍ عنوانا لهذه الأوراقِ الموجودةِ فيه .
- أو أن تحفظهَا داخلَ جهازِ الحاسوبِ وذلك من خلالِ جهازٍ يسمى (اسكنر) فتضعُ الورقةَ عليه ثم تنسخُ صورتَها داخلَ جهازك ، وقد وضعتْ قبلَ ذلك ملفاتٍ لكلِّ ملفٍ عنوانٌ خاصٌ به : ملفٌ للفتاوى ، ملفٌ للصور ، فتضعُ الورقةَ في المكانِ المخصصِ لها ، وبهذه الطريقةِ لا تحتاجٌ إلى كثيرِ ملفاتٍ ولا تأخذُ مساحاتٍ كبيرةٍ في مكتبتك الخاصة ، وكلما احتجتْ ورقةً أخرجتَها من جهازِك وتحاولُ أن تنسخَ هذه الملفاتِ على دسكاتٍ بين كلِّ فينةٍ و أخرى حتى لو حصلَ خللٌ في جهازك يبقى عملُك محفوظا .
- ومن طرقِ تنظمِ الوقتِ: الحذرُ من مضيعاتِ الوقت ، وهذه المضيعاتُ للأوقاتِ على قسمين :
القسمُ الأول : أن تكون من الإنسانِ نفسِه ومن ذلك :
- عدمُ التفريقِ بين الأهمِ والأقلِ أهميةً : كمن فرطِ في قواعدِ منزلهِ وأهملَ فيها ولكن أهتمَ غايةَ الاهتمامِ بتزينهِ وتأثيثهِ فهل يبقى البناءُ ؟
- سوءُ التنظيمِ : سواءً كان ذلك في المواعيدِ أو في تنظيمِ الأوراقِ والكتبِ أو البدءِ بأعمالٍ جديدةٍ مع عدمِ الانتهاءِ من أعمالهِ القديمةِ ، أو تكرارِ العملِ الواحدِ عدةَ مرات ، ولله درُ الصديقِ حين قالَ في وصيتهِ للفاروقِ رضي الله عنهما : واعلمْ أن لله عملاً في الليلِ لا يقبلُه في النهار ، وأن لله عملا في النهار لا يقبلُه في الليل .
- عدمُ التخطيطِ للمستقبلِ فتراه يعملُ بعشوائيةٍ تامةٍ ولا يعرفُ ما سيعملُه غدا أو بعد غد .
فالطالبُ في المرحلةِ الثانويةِ مثلا الذي لم يخططْ للمستقبلِ من خلالِ قدراتهِ يضيعُ في اختيارِ التخصصِ : هل القسمُ الشرعي ، أم القسمُ الطبيعي ، أم الإداري ،ولذلك تحصل الأخطاءُ الكثيرةُ في ذلك ، فبعد أن يتخرجَ من القسمِ الطبيعي يدخلُ في كليةٍ شرعيةٍ ..فهذا الطالبُ كم فوتَ على نفسِه من فوائدَ وعلومٍ أثناءَ دراستهِ المرحلةَ الثانويةَ ، تفيدُه كثيراً في المرحلةِ الجامعية ؟ كل ذلك بسببِ غيابِ التخطيطِ للمستقبل .
القسم الثاني : أن تكون المضيعاتُ للوقتِ من غيركِ ومنها :
- الهاتفُ : فهو يعدُ في الأساسِ إحدى وسائلِ توفيرِ الوقتِ، لكن إساءةَ استخدامِه قد تجعلُهُ من مضيعاتِ الوقتِ، ولتفادي ذلك:
- عليك أن تنظرَ إلى الهاتفِ بوصفهِ وسيلةً لتوصيلِ الرسائلِ فقط .
- إن أمكن استخدامُ الفاكسِ فيما تريدُ نقلَه فهو أفضل .
- استخدمْ في منـزلكِ الجهازَ الصوتي لنقلِ رسالتِك للمتصل.
- حدد وقتاً للردِ على المكالمات .
- حاول أن تختارَ فتراتِ انخفاضِ إنتاجيِتك، فلا تستخدمْ الهاتفَ في فتراتِ صفائِك وارتفاعِ إنتاجيتِك .
- اعلم أن الحوارَ الهاتفي السيئَ يُمكنُ أن يُكلفَك ساعاتٍ من الوقتِ الضائعِ فيما بعد لمعالجةِ سوءِ الفهم الذي حصل.
- الزيارةُ المفاجئة :
وهذه اشتكى منها المتقدمون أيضاً كالإمامِ ابنِ الجوزي رحمه الله ولعلاجِ هذه المشكلةِ :
- أتقنْ كلمة : ((وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ )) (سورة النور 28). إن كانتِ الزيارةُ من غيرِ موعدٍ مُسبق .
- ضعْ بعضَ الأعمالِ التي لا تحتاجُ إلى إعمالِ فكرٍ في مثلِ هذه الزياراتِ للقيامِ بها ؛
فمثلا عندما كان يحضرُ الباطلون لزيارةِ الإمامِ ابنِ الجوزي ،ماذا كان يفعلُ حتى لا يضيعَ وقتُه يقول : (أعددتُ أعمالاً لا تمنعُ من المحادثةِ لأوقاتهِم ؛ لئلا يمضي الزمانُ فارغا، فجعلتُ من المستعدِ للقائهِم قطعُ الكاغدِ وبريُ الأقلامِ ، وحزمُ الدفاترِ ، فإن هذه الأشياءَ لابد منها، ولا تحتاجُ إلى فكرٍ وحضورِ قلبٍ ، فأرصدتُها لأوقاتِ زيارتِهم لئلا يضيعَ شيءٌ من وقتي ).
- إن كان الطارقُ عليك كثيرٌ فيمكنُ أن تخصصَ يوماً أو يومين لمثلِ هذه الزياراتِ فيتعارفُ الناسُ على ذلك ، ولا مانعَ أن تضع لوحةً على البابِ تفيدُ ذلك .
- حاولْ أن تنفعَ هؤلاءِ بما يفيدُ ، وألا يضيعَ الوقتُ بكلامٍ لا فائدةَ منه .
- حاول ألا تكثرَ من الكلامِ أو التشعبَ فيه حتى لا يطولَ الوقتُ ويضيعَ الزمان .
القسم الثالث : الارتباطات العائلية : ولعلاج هذه المشكلة أُوصي بما يلي :
- أن يكون لك تأثيرٌ على الحاضرين ، وذلك بوضعِ برنامجٍ ينفعُ الجميعَ ، ولا يحتقرْ أحدُكم نفسَه ..فيقولُ من أنا حتى أضعْ برنامجاً لمن أهمْ أكبرُ مني فاستعنْ بالله تعالى .
- إن لم يكن لك تأثيرٌ في المجلسِ وبعد فراغِك من السلامِ عليهِم يمكنُ أن تستغلَ الوقتَ بذكرِ الله تعالى أو مراجعةِ حفظك أو حفظِ بعضِ المتونِ العلمية فتكون في جيبِك ورقةٌ من إحدى المتونِ التي قد عقدتْ العزمَ على حفظهِا وتضعهْا على هيئةِ ورقةٍ صغيرةٍ فكلما حفظتَ بيتا أدخلَ الورقةَ في جيبِك وهكذا .
- يمكنُ أن تستغلَ وقتَ المناسبةِ في دعوةِ بعض الحاضرين إلى الله تعالى فتجلسُ تحادثهُ في ذلك لعل الله تعالى أن يهديه على يديك فقد جاءَ في الحديث : " لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرٌ لك من حمرِ النعم "
- بعد الانتهاءِ من الطعامِ إن كان لك همٌ دعوي مع أقاربِك وإلا انصرفْ إلى برنامجك الذي رسمتَه قال تعالى : (( فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ )) (سورة الأحزاب: 53) .
يقولُ ابنُ كثيرٍ في تفسيره : إذا فرغتم من الذي دُعيتمْ إليه فخففوا عن أهلِ المنزلِ وانتشروا في الأرض .
القضيةُ الثالثة : التنفيذُ والتطبيق
بعد أن خططتْ ونظمتْ نفسَك بقي عليك المرحلةُ الأخيرةُ وهي أن تنفذَ ما خططتْ له ونظمتْ نفسَك من أجلِه وألا أصبحَ جهُدك السابقَ لا فائدةَ منه البتة ولذلك عاتب الله تعالى المؤمنين بقوله : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)) (سورة الصف : 3) .
وللتنفيذِ أُوصي بما يلي :
* ضعْ قائمةً بالأشياءِ التي يجبُ القيامُ بها.
* حاولْ أن تجمعْ الأعمالَ المتشابهةَ بعضَها مع بعضٍ في هذه القائمة.
* ابدأ يومَك بطلباتٍ تطلبُها من الآخرين؛ فبينما تقومُ أنت بعملِ أشياءٍ أخرى سيعملُ الآخرون في الوقتِ نفسهِ على إنجازِ الأعمالِ التي طلبتِها منهم، وإذا تعذرَ وجودُ وقتٍ للقيامِ بكلِّ المهامِ فاعملْ على إنجازِ المهامِ الكبرى تطبيقاً لقولِ القائلِ : (اعملْ بذكاءٍ لا بجهدٍ أكثر).
* عند إنجازِ عملٍ ما من القائمةِ عليك شطبُه منها، وهذا في حد ذاتِه يعدُ حافزاً لك على مواصلةِ العمل، ولكن احذرْ أن يتسربَ إليك إحساسٌ خادعٌ بالرضا من شطبِ الأشياءِ من قائمةِ المهام، خاصةً إن كان معظمُها ذا أوليةٍ منخفضة.
* وفي نهايةِ اليومِ احصرْ المهامَ المتبقيةَ ،ولا تحتفظْ بها في القائمةِ نفسِها، بل حوّلِها إلى قائمةِ اليومِ التالي، إلا إذا كنتَ فوّضتَ بعضاً منها إلى آخرين أو أسقطتَها لعدمِ أهميتهِا.
* لا تنس أن يكون يومُك مجزأً بين إنجازِ عملِ اليومِ ، والتفكيرِ في أعمالِ الغدِ ونشاطاته.
* أثناءَ العمل: كن متأكداً بأنك تركزُ على تنفيذِ العملِ الصحيحِ بشكلٍ صحيحٍ في الوقتِ الصحيح.
* عندما يكون الموضوعُ لا يزال جديداً أمامَك فلا تترددْ في أخذِ موقفٍ حيالَه؛ لأن هذا يوفرُ عليك مشقةَ إعادةِ تذكرِ الموقفِ مرةً أخرى.
* لا تكن مهتمّاً بشكلٍ زائدٍ بمسألةِ إنهاءِ العملِ بسرعةٍ؛ فالنتائجُ غيرُ المتقنةِ تعني أنك ستضطرُ إلى إعادةِ القيامِ بالعمل، مما يعني ضياعُ وقتٍ آخر ، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت : قال رسول الله r : (( إن الله يحبُ إذا عملَ أحدُكم عملاً أن يتقنه )) .
وكما قال القائلُ :
قد يدركُ المتأني بعضَ حاجتِه وقد يكونُ مع المستعجلِ الزلل
عليك مراقبةُ مدى التقدمِ في إنجازِ عملِك ، وذلك حتى لا تعودَ إلى ممارسةِ عاداتِك السيئةِ السابقة، وحتى تُجري إصلاحاتٍ وتعديلاتٍ على خطتِك، لتتلاءمَ مع الهدفِ ومع الظروفِ التي تواجُهها.
وفي الختام :
فإن الأشخاصَ الفاعلين لم يولدوا هكذا بالفطرة، بل هم مصنوعون ، والنقطةُ المهمةُ والمحوريةُ التي يجبُ أن تتذكرهَا هي استمرارُ الوعي بالكفاءةِ من خلالِ الوعي بأهميةِ الوقت؛ فذلك أكثرُ أهميةٍ من مجردِ الانصياعِ وتطبيقِ كلِ المبادئِ التي يمكنُ وصفُها.
وتذكر أيضاً أنك لا تستطيعُ إرضاءَ كلَّ شخصٍ، وأن الطريقةَ التي ستستثمرُ بها وقتَك قد تزعجُ آخرين، وقد لا يعاونُونك عليها .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المرسلين وعلى أصحابه ومن تبعهم إلى يوم الدين أما بعد :
فرسالتي هذه .. مهمةٌ للجميعِ ..
مهمٌ لطالبِ العلمِ حتى يصلَ إلى بغيتِه وهدفهِ المنشود ..
ومهمٌ لرجالِ الأعمالِ حتى يستطيعَ أن يُنجزَ أكبرَ قدرٍ ممكنٍ من المشاريعِ والأفكارِ في وقتٍ قليلٍ وجهدٍ يسيرٍ ،
وهو مهمٌ للمرأةِ التي تريدُ أن تَستثمرَ وقتَها، وتشتكي من قلةِ الوقتِ وضيقهِ .
إذن لن يكون الحديثُ مخصوصاً لفئةٍ معينةٍ بل سيكونُ حديثي لجميعِ فئاتِ المجتمعِ ..التجارُ و الأطباءُ ، والمهندسون ورجالُ الأمن الأمناءُ ، وإن كان هذا الموضوعُ يُهمُ بعنايةٍ فائقةٍ طالبَ العلمِ ؛ لأنه من المفترضِ أن يكون من أشدِّ الناسِ حرصاً على إدراكِ هذا الموضوعِ وفهمهِ ومن ثم تطبيقِه والعملِ به .
هذا الموضوعُ هو كيفَ تنظمُ وقتك ؟ بحيثُ لا تكون عشوائياً ..لك في كلِّ يومِ فكرةٌ ، وفي كلِّ ليلةٍ عملٌ وخَطْرةٌ .
و أولُ العقباتِ التي تصادفُنا في هذا الموضوعِ شكايةُ كثيرٍ من الناسِ من الفراغِ ..نعم الفراغُ الذي هو نعمةٌ في أصلهِ ..أصبحَ الآن عند فئامٍ كثيرةٍ من الناسِ نقمةً يقولُ النبي r : " نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ الصحةُ والفراغ " رواه البخاري .
وسببُ هذا الفراغِ :
غيابُ الاهتماماتِ الكبرى في حياةِ المسلمِ وضميرهِ ، فكلما غابتِ تلك الأحاسيسُ ..وهاتيك الاهتماماتُ ..زادت هوةُ الفراغِ في حياةِ المسلمِ وانشغالهِ بقضايا هامشيةٍ يشتركُ هو وغيرهُ من سائرِ الحيواناتِ فيها..فغيابُ الأهدافِ العاليةِ ، والمقاصدِ الساميةِ ، والغاياتِ النبيلة ..تجعلُ الإنسانَ يعيشُ حياةَ الفوضوية، ثم يصبحُ نسيا منسيا ..لا أثرَ له في واقعِ الحياة ..ولا تأثيرَ له في مجرياتِ الأمور .
ولكن حين كان الوعيُ ناميا ، والغاياتُ عالية ..كانت المشاغلُ متراكمةٌ ، والأعمالُ متزايدةٌ ، لدى أسلافنِا الأوائلِ .
قل لي بربك : كمْ من المدائنِ فُتحت ؟ وكم من الكتبِ والمؤلفات صنفت ؟ وكم من المخترعاتِ والمبتكرات ابتدعت ؟!! وكم من الإنجازاتِ تحققت ؟ !!
هذا أبو هريرةُ رضي الله عنه لزمَ رسولَ الله r على شبعِ بطنهِ ، وربما صُرِعَ بين الحجرةِ والمنبرِ من الجوعِ ..لكن ماذا حقق للأمةِ من خيرٍ عظيمٍ ..ونفعٍ عميم ؟!!
أحمدُ بنُ حنبلُ رحمه الله طافتْ به همتُه الدنيا من أجلِ الحديثِ ، فحفظَ أكثرَ من ألفِ ألفِ حديثٍ ..أي مليونِ حديثٍ ، فترك لنا المسندَ ، وتركَ العلمَ للعالمِ .
والبخاريُ رحمه الله ألفَ كتابَ الصحيحِ وحفظَ تواريخَ الرواةِ وأكثرَ الشيوخِ ، وكان يطوفُ البلادَ الإسلاميةَ ذاهباً وآيباً ، وليس همُه إلا الحديثَ . فبلغه الله ما أراد .
وألّف ابنُ عقيلٍ الحنبلي في أوقاتِ فراغهِ كتابَ الفنونِ في سبعمائةِ مجلد !! وابنُ حجرٍ يُؤلفُ كتابَ فتحِ الباري فيعجزُ كثيرٌ من العلماءِ عن مجردِ قراءتهِ ، وقسمتُ كتبَ ابنِ جريرٍ الطبري على عددِ أيامِ عمرهِ فصارَ لكلِّ يومٍ كُراسةً من التأليفِ ، وابنُ الجوزي يؤلفُ أكثرَ من ألفِ مصنفٍ !! ومن العلماءِ من وزعَ ليلَهُ أثلاثا : ثلثاً لنومهِ ، وثلثا لتهجده ، وثلثا لمذاكرةِ العلم .
وحتى لا يقولَ قائلٌ : هؤلاء لم يدركوا ما نحنُ عليه الآن من زمنٍ انفتحتْ في الشهواتُ، واتسعتْ فيه دائرةُ الملذاتِ والملهياتِ ، فهذا شيخنا العلامةُ ابنُ عثيمين رحمه الله تعالى ..ومن منا لا يعرفُ هذه الشخصيةَ الفذةَ في تنظيمِ وقتهِا ، وترتيبِ زمانِها ..فهاهو قد وضعَ برنامجا لنفسهِ ..فهو يخصصُ ليلةً في الشهرِ للخطباء ..وليلةً للقضاة ..وليلةً لمشرفي تحفيظِ القرآنِ الكريم ..وليلةً لطلبةِ العلم ..وليلةً لأهلِ الحسبة ..ولقاءً أسبوعياً للعامةِ في منـزلهِ ..ولقاءً شهريا في مسجده.. وجانبٌ آخرَ تنظيمهُ لدروسهِ فلكلِّ درسِ وقتُه المحددُ لا يتجاوزُه ، وأصبحَ صوتُ الساعةِ مؤذناً بانتهاءِ الدرسِ لدرسٍ آخرَ وهكذا ..وتخصيصُه للإفتاءِ على الهاتفِ بعد الظهرِ ..ومن منا لم يسمعْ صوتَ الشيخِ وهو يُوضحُ له ذلك ؟! ولا يعني هذا أنه نسي الجانبَ الإيمانيَ لنفسِه فهو رحمه الله لا يسمحُ لأحدٍ أن يستفتيَه أو يحدثَه بعد الصلاةِ حتى ينتهي من وردهِ وذكرهِ ، و قد خصصَ سيرهَ إلى مسجدهِ لمراجعةِ القرآنِ الكريم ، ولا يأذنُ لأحدٍ بالحديثِ معَه ، بل أحياناً يقفُ عند بوابةِ المسجدِ من أجلِّ أن يُتمَ حزبَه الذي خصصَه !! فرحمك الله رحمة واسعة .
هكذا كانتْ أحوالهُم ..يوم ارتقتْ اهتماماتُهم ..وهكذا كانت إنجازاتُهم ..يومَ اتسعت مداركهُم ،ونضجتْ عقولُهم وأفكارُهم .
على قدرِ أهلِ العزمِ تأتي العزائمُ وتأتي على قدرِ الكرامِ المكارم
وتعظمُ في عينِ الصغيرِ صغارُها وتصغرُ في عينِ العظيمِ العظائمُ
إننا مطالبون اليومَ بالسيرِ على ما ساروا عليه ، وأن نقتفي أثرَهُم ، ونحذوا حذوَهُم ..لنصل إلى القمةِ الشماءِ ، والمرتبةِ العليا .
ولعلنا بعدَ هذا العرضِ قد عزمنا على أن تكونَ لنا أهدافٌ منشودة ، وغايةٌ مقصودة بإذن الله تعالى :
لكن لابد أن تكون هذه الأهدافُ شرعيةٌ ، والغاياتُ نبيلة ، والمقاصدُ سامية،فالثراءُ مثلا : هدفٌ تطمحُ إليه النفوسُ ولكن هل يتخذُ من الربا والمعاملاتِ المحرمةِ وسيلةً لبلوغِ هذه الغاية ؟!! ومن أراد أن يتفوقَ في دراستهِ هل يتخذُ من الغشِ والاحتيالِ وسيلةً لبلوغِ هدفِه ؟!
وقد تتساءلُ أخي الكريم : كيف يمكنُ الوصولُ إلى غايتي وهدفي بأفضلِ طريقةٍ ، وأخصرِ وسيلة ؟!!
وإجابةٌ لسؤالك ؛ اطرحُ هذه الأسئلةِ عليك :
هل يمكنُ الوصولُ إلى غايتِك من خلالِ حياةِ العشوائية ؟
هل يمكن أن تُحقق أهدافَك من خلالِ الارتجاليةِ والعفوية ؟
هل يمكنُ أن تنجزَ هدفَك بوقتٍ مقبولٍ بدون دراسةٍ ولا تخطيطٍ مسبق ؟ !
إذن : أفضلُ طريقةٍ ،وأخصرُ وسيلةٍ لبلوغِ الأهدافِ والغاياتِ هو أن تعملَ ما يلي :
أولاً : أن تخططَ للمستقبلك .
ثانياً : أن تنظمَ نفسَك .
ثالثاً : أن تنفذَ وتطبيقَ بدقةٍ وعناية .
ونبدأ أولاً : بالحديثِ عن القضيةِ الأولى وهي قضيةُ التخطيط .
إن التخطيطَ لأي عملٍ ؛ عملٌ مشروعٌ ، فعلَه خيرُ البرية وأزكى البشريةِ r فمن ذلك :
عندما عزمَ r الانتقالَ من مكةَ إلى المدينةِ في هجرتهِ العظيمةِ ..لم تقمْ تلك الرحلةُ بعشوائيةِ ، بل خططَ لهذه المسيرةِ الخطيرةِ والتي يعلمُ r حجمَ المؤامرةِ التي تحاكُ له في جنحِ الظلامِ للقضاءِ عليه ..فمن ذلك ذهابُه r متقنعاً لبيتِ أبي بكرٍ الصديقِ في وقتٍ لم يكن يأتيهِ فيه ،حتى استنكرَ أبو بكرٍ هذا المجيءَ ، وعلمَ أن هذا القدومَ إنما هو لغايةٍ عظيمة ..ثم أمرُه r لأبي بكرٍ أن يُخرجَ من كان عندَه ..ليَعرضَ عليه أمرَه الذي جاءَ من أجلهِ ..حتى طمأنَهُ أبو بكر ؛ وقال : هم أهلُكَ يا رسولَ الله .. بعد ذلك أبرمَ r خطةَ الهجرةِ مع صاحبهِ رضي الله عنه ..وأيضاُ : أمرُه r لعلي بنِ أبي طالبٍ أن ينامَ في مكانهِ حتى يؤخرَ الطلبَ عنه ويمكنَهُ الابتعادَ أكثرَ ..ثم خروجُه r مع أبي بكرٍ من البابِ الخلفي ، ليَخرجَ من مكةَ على عجلٍ ، ثم سلوكُه r لطريقٍ غيرِ معتادٍ ومتوقعٍ لأهلِ مكة َ، ثم صعودهُ r لجبلٍ شامخٍ وعرٍ صعبِ المرتقى ذا أحجارٍ كثيرةٍ ..ومكوثهُ r فيه ثلاثةَ أيام .. كلُّ هذا وغيُره تخطيطٌ لصرفِ الأنظارِ عنه r وبلوغهُ للغايةِ التي قصدَها ..وهي وصولُه إلى المدينةِ سالما ، ومن ثم مواصلةُ رحلتهِ الدعويةِ إلى الله تعالى .
وإذا انتقلنا إلى صورةٍ أخرى من صورِ تخطيطهِ r وحرصهِ على هذا المبدأِ في حياتهِ ما كان يفعلُه r في غزواتهِ حيث قلَّ ما كان يريدُ غزوةً إلا ورى بغيرهِا .
أخي المبارك : إن من خلالِ التخطيطِ المدروسِ تستطيعُ أن تكسبَ الفوائدَ التالية :
1- تحديدُ الأهدافِ المقصودةِ ، والغاياتِ المنشودةِ ،والتي تطمحُ أن تصلَ إليها ، وأن تنجزَها
2- إمكانيةُ التنسيقِ بين جهودكِ وأعمالكِ الأخرى .
3- معرفةُ كميةِ الجهدِ الذي تحتاجُه للوصولِ لهدفِك .
4- معرفةُ الوقتِ المناسبِ لقضاءِ هذا الهدفِ والحصولِ عليه .
5- معرفةُ العقباتِ التي يمكنُ أن تعرقلَ مسيرك .
6- معرفةُ الوسائلِ التي يمكنُ من خلالِها الوصولُ إلى الهدفِ بأفضلِ طريقة .
فإذا اتضحتْ هذه الحقائقُ في ذهنِك ، ورسمتَها بقلمِك ، فإن معالمَ الطريقِ قد اتضحتْ لك ، وسبلُ الوصولِ إليه قد تبينتْ ، ولم يبقْ إلا أن تعرفَ الأسبابَ الشرعيةَ الموصلةَ لهدفِك المشروع ، و تستعدَ للسيرِ على هذا الطريقِ ، الذي جعلتَهُ على هيئةِ مراحلَ ؛ لكلِّ مرحلةٍ زمنيةٍ كافيةٍ أهدافٌ معينةٌ ممكنة ، فكلما انتهيتَ من مرحلةٍ زادَ نشاطُك ، وعلت همتُك ، وتاقتْ نفسُك ، لبلوغِ الغايةِ والهدفِ .وأدركتَ أهميةَ الوقتِ الذي هو حياتُك وعمرُك ،
روي عن الحسنِ البصري (رحمه الله) أنه قالَ: ( يا ابنَ آدمَ، إنما أنتَ أيامٌ، كلما ذهبَ يومٌ ذهبَ بعضُك) :
دقــاتُ قـلبِ المرءِ قائلةٌ لـه إن الـحـياةَ دقائقٌ وثوان
فارفعَ لنفسِك قبلَّ موتِك ذكرَها فالذكرُ للإنسانِ عمرٌ ثـان
قواعدُ في التخطيط :
1- أن تكون الأهدافُ المقصودةُ ممكنةَ التنفيذ . فمن الخطأِ في التخطيطِ أن تفكرَ أن تتخرجَ من كليةِ الطبِ في سنتين مثلا .
2- أن تكون الأهدافُ واضحةً لا غبشَ فيها . كمن وضعَ نصبَ عينيه أن يكون صاحبَ منصبٍ !! المناصبُ كثيرةٌ فأي المناصبِ تريد ؟ هل مثلاً أن تكون عالما أو ضابطا أو طبيبا أو مهندسا ، فلا بد إذن من أن يكون الهدفُ واضحاً .
3- أن يكون الوقتُ الذي حددتَه لهذه الأهدافِ كافياً ، فمن أراد أن يحفظَ ألفَ حديثٍ مثلا لابد أن يكون الوقتُ المحددِ لها كافياً لأن الزيادةَ أو النقصانَ تسببان للإنسانِ إما الإحباطَ أو ضياعَ الوقت .
4- أن يكون التخطيطُ مكتوباً في ورقة .
5- أن يكون المخطَطُ قابلا للتغييرِ للظروفِ الصعبة ، فمثلا لو طَلبَ منك الوالدُ حاجةً للمنزلِ وأنتَ قد رسمتْ برنامجاً لهذا الوقتِ فماذا تفعل ؟ يمكنُ أن تفعلَ أشياءَ كثيرةً حتى تستغلَ هذا الوقت : بحفظِ متٍن مثلا ، أو سماعِ شريطٍ تريدُ سماعَه ، أو مراجعةٍ لكتابِ الله تعالى .
6- أن يوجدَ في المخطَطِ وقتٌ للراحةِ والاستجمام ؛ لأن النفسَ قد تملُ وتكلُ فإذا روحتَ عليها عادتْ إلى الجدِ والعملِ بقوةٍ ونشاط .
7- جمعُ الوسائلِ التي يتمٌ من خلالِها تحقيقُ الأهدافِ . فمثلا :
من أراد أن يتقن متن البيقونيةِ في الحديثِ حفظا وفهماً فمن الوسائلِ لتحقيقِ هذا الهدف :
ـ تحديدُ وقتِ الحفظ ـ تحديدُ من ستقرأُ عليه هذا المتنَ ـ جمعُ الشروحِ المتعلقةِ بهذا المتن ـ تلخيصُ الشرحِ على نسختِك الخاصةِ أو بطريقةٍ مناسبةٍ لك .
مثالٌ آخر : من أرادَ أن يفتحَ مشروعاً تجارياً فمن الوسائل :
الاستخارة ـ إقامةُ دراسةٍ لهذا المشروع ـ وجودُ رأسِ المال ـ تحديدُ الأيدي العاملةِ التي تقومُ على هذا المشروعِ ـ وغيرهِا من الوسائل .
بهذا التخطيطِ تشعرُ بأهميةِ الوقتِ ، وتقضي على مشكلةِ الفراغِ الذي تعاني منه ، فوضعُك لبرنامجٍ محددٍ هو بدايةُ تحريِك نفسِك ، وبعثِ همتِك لاستدراكِ الفائت ، أو اغتنامِ الحاضر ، والاستعدادِ للمستقبل .
يقولُ الله تعالى : (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )) أي لنوفقنهم لإصابةِ الطريقِ المستقيم .
عقبات في طريق التخطيط
قد تقولُ إن التخطيطَ قد تعتريهِ عقباتٌ كؤودةٌ ، وعوارضُ صعبة ، من همومٍ وغموم ، وأمراضٍ موجعة ، وزياراتٍ محرجة ، ومناسبةٍ متعددة ،مما يَقلبُ الأملَ يأسا ، والتفاؤلَ تشاؤما ، والهمةَ العاليةَ فتورا ؟
فأقولُ : لابد أن تدركَ ما يلي :
أولاً : أن التخطيطَ إنما هو رسمٌ لمنهجٍ موصلٍ إلى الغايةِ المطلوبةِ ، و ليس تشريعاً لا يجوزُ لك أن تتجاوزَه في وقتِ المصائبِ ونحوهِا .
ثانياً : بإمكانِك أن تستغلَ هذه العوارضَ بما يُلائمُ وضعَك ، ويناسبُ وقتك ، من قراءةِ قرآن ، أو اتصالٍ هاتفي ، أو كتابةِ رسالة ، أو ذكرٍ لله تعالى ، وهذا ما أوصى به النبيُ r فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله r : ((إن قامتْ الساعةُ وبيدِ أحدكِم فسيلةٌ، فإن استطاعَ أن لا يقومَ حتى يغرسَها فليفعلْ)) فالإسلامُ يحثُّ المسلمَ على الاستفادةِ القصوى من الوقتِ حتى في أشدِّ الظروفِ صعوبةً وهو عند قيامِ الساعةِ !!
وأنتْ الآن تُشاهدُ خلقاً كثيراً من الناسِ تضيعُ أوقاتُهم سداً دون أدنى فائدةٍ تُذكرُ ولعلي أذكرُ لكم نماذجَ من ذلك فمثلاً :
ـ انظر كمْ هم الذين يستغلونَ الوقتْ في ركوبِهم للسيارةِ أو الطائرةِ أو غيرهِا من وسائلِ المواصلاتِ ، وهذا الاستغلالُ على حسبِ اتجاهاتِ الشخصِ وميولهِ وأهدافهِ ؟
_ انظر مثلاً إلى رجلِ الأمنِ عندما يقفُ للحراسةِ والمرابطةِ لماذا لا يستغلُ هذا الوقتَ مثلاً بذكرِ لله تعالى أو مراجعةِ سورةٍ قد حفظَها أو نحو ذلك من الأعمالِ التي لا تُؤثرُ على عملهِ الذي هو فيه .
- انظر مثلاَ الذين يُراقبون أبناءَنا الطلابِ أثناءَ الاختباراتِ فمَنْ منهُم استغلْ وقتَ المراقبةِ بمراجعةِ سورةٍ أو ذكرٍ لله تعالى أو حفظِ أبياتٍ نافعةٍ يسيرة ..يُحدثني أحدُ المشائخِ بأنه أثناءَ المراقبةِ يُراجعُ ستةَ أجزاءٍ من القرآنِ الكريم ، وآخرُ يقول :بأن قد حفظَ متنينِ من متون العلم في هذا الوقت دون أن يشغلَه عن المتابعةِ والمراقبة .
ـ مثالٌ آخر : أصحابُ المحلاتِ التجاريةِ باختلافِ أصنافهِا كم هم الذين يستغلونَ أوقاتَهم وقتَ فراغهمِ ؟! تجد بعضهم إما أن يقلبَ صفحاتِ الجرائدِ والمجلاتِ ، أو ينظر فيمن يروحون ويجيئون .
وقل هذا في أصحاب الوظائف والمكاتب وغيرها . اعرف شخصا يُنهي جميع أعماله الوظيفية بسرعة وينجزُها في أولِ وقتهِا وبعد ذلك يبقى طوالِ الوقتِ مع كتابهِ للقراءةِ والاستفادة .
فهذه وغيرُها عوارضُ قد تفسدُ على الإنسانِ ما خططَ له ..ولكن كما قلتُ سابقاً يمكنُ للإنسانِ أن يستفيدَ من هذه العوارضِ بقدرِ الإمكانِ دون أن يختلَ جدولَهُ اليومي .
ثانياً : التنظيم
بعد أن أدركنا أهميةَ التخطيطِ وطريقتَه ، بقي علينا أن نعرفَ القضيةَ الثانيةَ ، وهي لا تقلُ عن سابقتِها في الأهميةِ ألا وهي التنظيمُ .
لو جازَ لكلِّ أمةٍ في الدنيا أن لا تنظمَ نفسَها ، لما جازَ للمسلمين ؛ لأن دينَهم يقومُ على التنظيمِ والترتيبِ بالدقائقِ والثواني ، فالذي يُصلي قيلَ موعدِ الصلاةِ بخمسِ دقائق ؛ هلْ تصحُ صلاتُه ؟ ، والذي يفطرُ قبلَ أذانِ المغربِ بخمسِ دقائق ، هلْ يصحَ صومُه ، والذي يصلْ عرفةَ بعد طلوعِ فجرِ يومِ النحرِ بخمسِ دقائقَ لا يصحُ حجُه ، كلُّ ذلك لتعليمِنا النظامَ وضبطَ النفسِ ، وإلا فماذا يَضرُ الصائمَ في الصيفِ (عقلاً لا شرعاً) إن صامَ أربعةَ عشرَ ساعةً إلا خمسَ دقائقَ ؟!
إذن من الحِكَمِ المرادةِ أن نتعودَ على النظامِ في أعمالنِا كلِها ، وألا نُصابَ بطاعونِ العشوائيةِ والفوضويةِ في حياتنا .
هناك عواملُ تساعدُك على تنظيمِ جميعِ أمورِك منها :
1- اكتبْ أي معلومةٍ تريدُها مباشرةً ، ثم ضعْ هذه الورقةَ في مكانٍ تكونُ متأكداً من وقوعِ بصركَ عليها.
2- حاولْ أن تتجاهلَ بعضَ المشكلاتِ ، فهذا هو خيرُ علاجٍ للقضاءٍ عليها .
3- قسمْ الأعمالَ المطلوبةَ إلى مجموعاتٍ بحيثُ تجمعُ الأعمالَ المتشابهةَ في مجموعةٍ واحدةٍ .فمثلاً :
- تريدُ شراءَ بعضِ الخضارِ وبعضِ المأكولاتِ والمرطباتِ فتذهبُ إلى الأماكنِ التي تجمعُ هذين الأمرينِ حتى لا يضيعَ عليكَ الوقتُ .
- مثالٌ آخرَ : تريدُ شراءَ كتبٍ و أشرطةٍ و تصويرِ أوراقٍ و زيارةِ قريبٍ و شراءَ بعضِ الخضارِ والفواكه ، فماذا تفعل ؟
قسمْ هذه الأعمالَ إلى مجموعاتٍ ..فنقسمُها إلى ثلاثةِ أقسام : أدواتٌ مدرسية وصلةٌ رحم ، والخضارُ والفواكه ؟ بعد ذلك هلْ يمكنُ أن تقومَ بها في مسيرةٍ واحدةٍ من خلالِ ما يلي :
4- هل يوجدُ حولَ منزلِ قريبِك من يبيعُ أدواتٍ مدرسيةٍ وفواكهَ وخضار ؟ فإن كان كذلك فإنك بذلكَ توفرُ على نفسِك أوقاتٍ كثيرةٍ يُمكنُ من خلالِ عدمِ التنظيمِ أن تضيعَ سدى .
5- عدمُ تركِ المهامِ غيرُ منتهيةٍ؛ فالتنقلُ من موضوعٍ لآخرَ سوفُ يُضيعُ عليك وقتك ، ولن تصلَ إلى هدفِك فتصبحُ كالمنبتْ لا أرضا قطعَ ولا ظهراً أبقى .
- مثالُ ذلك : من أرادَ أن يحفظَ عمدةَ الأحكامِ فيبدأُ بالحفظِ ، فيحفظُ مائةَ حديثٍ مثلا ، فتعلو همتهُ فينتقلْ ليحفظَ في كتابِ بلوغِ المرامِ فيحفظُ تسعيَن حديثا ، فتعلو همتُه فيحفظُ في مختصرِ صحيحِ مسلمٍ خمسين حديثاً ثم بعد ذلك ينقطعُ ويفترُ والنتيجةُ لا شيء !!
- مثالٌ آخرَ : قررَ محمدٌ أن يقرأَ كتابَ فتحِ المجيدِ شرحَ كتابِ التوحيدِ وخصصَ له وقتاً وبدأ بالقراءةِ وبعد أن قطعَ مشاوراً لا بأسَ به غيَر وجهةَ نظرهِ فانتقلَ إلى كتابٍ آخر ، ثم إلى آخرَ وهكذا فينتهي عمرُه وهو يتنقلُ من كتابٍ إلى آخرَ دون أن يُتمَّ قراءةَ واحدٍ منها .
6- حاولْ أن تقللَ من الأعمالِ (الروتينيةِ)، وهي الأعمالُ اليوميةِ ذاتِ الطبيعةِ النمطيةِ والتي تشكلُ قيمةً يسيرةً لتحقيقَ الأهدافَ العامة.
مثالُ ذلك : شراء الخبر يمكن أن تشتري ما يكفيك لمدة سبعة أيام مثلا بدلا من أن تذهب في كلِّ يوم لشرائه .
مثالٌ آخر : دفترُ التحضيرِ للمعلمين ؛ هذا عملٌ يقومُ به المعلمُ يومياً في الغالبِ ولذا يمكنُ أن يتقللَ منه من خلالِ تصميمِ ورقةِ التحضيرِ في الحاسبِ الآلي وكتابةِ التحضيرِ فيها ، وفي كلِّ عامٍ يطبعُ هذه الأوراقَ مع تغييرِ التاريخِ والحصةِ وإن كان هناكَ زيادةٌ يسيرةٌ سجلَها ودونَها ، ثم توضعُ في ملفٍ ، وبذلك يحفظُ المعلمُ وقتَه من إعادةِ الجهدِ مراتٍ عديدة وكراتٍ مديدة دون فائدةٍ تُذكرْ .
7- حاولْ استغلالَ الأجهزةِ والمعداتِ الحديثةِ التي تحفظُ وقتك ،كأجهزةِ التصويرِ و(الفاكس) والحاسبِ الآلي ، وبالنسبةِ للمرأةِ أجهزةُ الطبخِ أو الغسيلِ أو كي الملابسِ ونحو ذلك
8- تعلمْ في الاتصالاتِ الشفاهيةِ (هاتفٌ أو مقابلاتٌ) كيفَ تقطعُ المحادثاتِ أو النقاشَ بأسلوبٍ لبقٍ وواضحٍ عندما تعتقدُ أن الموضوعَ قد تم تغطيتُه تماماً.
9- اتقنْ قولَ (لا) عندما ترى أن الاستجابةَ معناها ضياعُ الوقتِ وإفسادُ سُلَّمِ أولوياتِك، فالخجلُ والمجاملاتُ قد يضرانِ بك وبالآخرينَ كثيراً.
10- ضعْ أكثرِ النشاطاتِ أهميةً وأكثرَها صعوبةً والأعمالَ التي تتطلبُ تركيزاً كبيراً فـي ساعاتِ صفائِك الذهني، والتي تكون فيها في أوجِ نشاطك.
- فمثلا من الأعمالِ المهمةِ حفظُ القرآنِ أو السنةِ النبوية أو المنظومةِ العلمية فتخصصُ لها مثلاً بعد الفجرِ أو بعد المغربِ ،والقراءةَ في كتبِ الأدبِ والسيرةِ تخصصُ لها وقتَ القليلةِ مثلا أو عند النومِ لأنها لا تحتاجُ إلى إعمالِ فكرٍ كثير .
10- لا تضيّعْ وقتكَ في القيامِ بالمهامِ المستحيلةِ ، كمن يريدُ أن يقرأَ كتاباً باللغةِ الإنجليزيةِ وهو لا يحسنُ حرفاً واحداً منها
من أهمْ القضايا في التنظيمِ كيفْ تُنظمُ أوراقَك ؟ ويمكن ذلك من عدةِ طرقٍ :
- أن تضعَ الأوراقَ في ملفاتٍ لكلِّ ملفٍ موضوعٌ خاصٌ به مثلا : ملفْ لقضايا المرأةِ ، وملفٌ لأنشطةِ المسجدِ ، وملفٌ للمسابقات ،وملفٌ للأوراق الخاصةِ بعائلتك ،وملفٌ للفواتيرِ والضماناتِ ، وهكذا فكلُ ورقةٍ تأتي تضعَها في ملفِها الخاصِ بها .
- أو أن تضعَ أدراجاً لكلِّ درجِ موضوعٌ خاصٌ به ،فدرج لأوراق المدرسة مثلا ، ودرج لأوراقك الخاصة ، ودرج للفتاوى ، ودرج للبحوث ..وهكذا .وتكتبُ على كلِّ درجٍ عنوانا لهذه الأوراقِ الموجودةِ فيه .
- أو أن تحفظهَا داخلَ جهازِ الحاسوبِ وذلك من خلالِ جهازٍ يسمى (اسكنر) فتضعُ الورقةَ عليه ثم تنسخُ صورتَها داخلَ جهازك ، وقد وضعتْ قبلَ ذلك ملفاتٍ لكلِّ ملفٍ عنوانٌ خاصٌ به : ملفٌ للفتاوى ، ملفٌ للصور ، فتضعُ الورقةَ في المكانِ المخصصِ لها ، وبهذه الطريقةِ لا تحتاجٌ إلى كثيرِ ملفاتٍ ولا تأخذُ مساحاتٍ كبيرةٍ في مكتبتك الخاصة ، وكلما احتجتْ ورقةً أخرجتَها من جهازِك وتحاولُ أن تنسخَ هذه الملفاتِ على دسكاتٍ بين كلِّ فينةٍ و أخرى حتى لو حصلَ خللٌ في جهازك يبقى عملُك محفوظا .
- ومن طرقِ تنظمِ الوقتِ: الحذرُ من مضيعاتِ الوقت ، وهذه المضيعاتُ للأوقاتِ على قسمين :
القسمُ الأول : أن تكون من الإنسانِ نفسِه ومن ذلك :
- عدمُ التفريقِ بين الأهمِ والأقلِ أهميةً : كمن فرطِ في قواعدِ منزلهِ وأهملَ فيها ولكن أهتمَ غايةَ الاهتمامِ بتزينهِ وتأثيثهِ فهل يبقى البناءُ ؟
- سوءُ التنظيمِ : سواءً كان ذلك في المواعيدِ أو في تنظيمِ الأوراقِ والكتبِ أو البدءِ بأعمالٍ جديدةٍ مع عدمِ الانتهاءِ من أعمالهِ القديمةِ ، أو تكرارِ العملِ الواحدِ عدةَ مرات ، ولله درُ الصديقِ حين قالَ في وصيتهِ للفاروقِ رضي الله عنهما : واعلمْ أن لله عملاً في الليلِ لا يقبلُه في النهار ، وأن لله عملا في النهار لا يقبلُه في الليل .
- عدمُ التخطيطِ للمستقبلِ فتراه يعملُ بعشوائيةٍ تامةٍ ولا يعرفُ ما سيعملُه غدا أو بعد غد .
فالطالبُ في المرحلةِ الثانويةِ مثلا الذي لم يخططْ للمستقبلِ من خلالِ قدراتهِ يضيعُ في اختيارِ التخصصِ : هل القسمُ الشرعي ، أم القسمُ الطبيعي ، أم الإداري ،ولذلك تحصل الأخطاءُ الكثيرةُ في ذلك ، فبعد أن يتخرجَ من القسمِ الطبيعي يدخلُ في كليةٍ شرعيةٍ ..فهذا الطالبُ كم فوتَ على نفسِه من فوائدَ وعلومٍ أثناءَ دراستهِ المرحلةَ الثانويةَ ، تفيدُه كثيراً في المرحلةِ الجامعية ؟ كل ذلك بسببِ غيابِ التخطيطِ للمستقبل .
القسم الثاني : أن تكون المضيعاتُ للوقتِ من غيركِ ومنها :
- الهاتفُ : فهو يعدُ في الأساسِ إحدى وسائلِ توفيرِ الوقتِ، لكن إساءةَ استخدامِه قد تجعلُهُ من مضيعاتِ الوقتِ، ولتفادي ذلك:
- عليك أن تنظرَ إلى الهاتفِ بوصفهِ وسيلةً لتوصيلِ الرسائلِ فقط .
- إن أمكن استخدامُ الفاكسِ فيما تريدُ نقلَه فهو أفضل .
- استخدمْ في منـزلكِ الجهازَ الصوتي لنقلِ رسالتِك للمتصل.
- حدد وقتاً للردِ على المكالمات .
- حاول أن تختارَ فتراتِ انخفاضِ إنتاجيِتك، فلا تستخدمْ الهاتفَ في فتراتِ صفائِك وارتفاعِ إنتاجيتِك .
- اعلم أن الحوارَ الهاتفي السيئَ يُمكنُ أن يُكلفَك ساعاتٍ من الوقتِ الضائعِ فيما بعد لمعالجةِ سوءِ الفهم الذي حصل.
- الزيارةُ المفاجئة :
وهذه اشتكى منها المتقدمون أيضاً كالإمامِ ابنِ الجوزي رحمه الله ولعلاجِ هذه المشكلةِ :
- أتقنْ كلمة : ((وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ )) (سورة النور 28). إن كانتِ الزيارةُ من غيرِ موعدٍ مُسبق .
- ضعْ بعضَ الأعمالِ التي لا تحتاجُ إلى إعمالِ فكرٍ في مثلِ هذه الزياراتِ للقيامِ بها ؛
فمثلا عندما كان يحضرُ الباطلون لزيارةِ الإمامِ ابنِ الجوزي ،ماذا كان يفعلُ حتى لا يضيعَ وقتُه يقول : (أعددتُ أعمالاً لا تمنعُ من المحادثةِ لأوقاتهِم ؛ لئلا يمضي الزمانُ فارغا، فجعلتُ من المستعدِ للقائهِم قطعُ الكاغدِ وبريُ الأقلامِ ، وحزمُ الدفاترِ ، فإن هذه الأشياءَ لابد منها، ولا تحتاجُ إلى فكرٍ وحضورِ قلبٍ ، فأرصدتُها لأوقاتِ زيارتِهم لئلا يضيعَ شيءٌ من وقتي ).
- إن كان الطارقُ عليك كثيرٌ فيمكنُ أن تخصصَ يوماً أو يومين لمثلِ هذه الزياراتِ فيتعارفُ الناسُ على ذلك ، ولا مانعَ أن تضع لوحةً على البابِ تفيدُ ذلك .
- حاولْ أن تنفعَ هؤلاءِ بما يفيدُ ، وألا يضيعَ الوقتُ بكلامٍ لا فائدةَ منه .
- حاول ألا تكثرَ من الكلامِ أو التشعبَ فيه حتى لا يطولَ الوقتُ ويضيعَ الزمان .
القسم الثالث : الارتباطات العائلية : ولعلاج هذه المشكلة أُوصي بما يلي :
- أن يكون لك تأثيرٌ على الحاضرين ، وذلك بوضعِ برنامجٍ ينفعُ الجميعَ ، ولا يحتقرْ أحدُكم نفسَه ..فيقولُ من أنا حتى أضعْ برنامجاً لمن أهمْ أكبرُ مني فاستعنْ بالله تعالى .
- إن لم يكن لك تأثيرٌ في المجلسِ وبعد فراغِك من السلامِ عليهِم يمكنُ أن تستغلَ الوقتَ بذكرِ الله تعالى أو مراجعةِ حفظك أو حفظِ بعضِ المتونِ العلمية فتكون في جيبِك ورقةٌ من إحدى المتونِ التي قد عقدتْ العزمَ على حفظهِا وتضعهْا على هيئةِ ورقةٍ صغيرةٍ فكلما حفظتَ بيتا أدخلَ الورقةَ في جيبِك وهكذا .
- يمكنُ أن تستغلَ وقتَ المناسبةِ في دعوةِ بعض الحاضرين إلى الله تعالى فتجلسُ تحادثهُ في ذلك لعل الله تعالى أن يهديه على يديك فقد جاءَ في الحديث : " لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرٌ لك من حمرِ النعم "
- بعد الانتهاءِ من الطعامِ إن كان لك همٌ دعوي مع أقاربِك وإلا انصرفْ إلى برنامجك الذي رسمتَه قال تعالى : (( فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ )) (سورة الأحزاب: 53) .
يقولُ ابنُ كثيرٍ في تفسيره : إذا فرغتم من الذي دُعيتمْ إليه فخففوا عن أهلِ المنزلِ وانتشروا في الأرض .
القضيةُ الثالثة : التنفيذُ والتطبيق
بعد أن خططتْ ونظمتْ نفسَك بقي عليك المرحلةُ الأخيرةُ وهي أن تنفذَ ما خططتْ له ونظمتْ نفسَك من أجلِه وألا أصبحَ جهُدك السابقَ لا فائدةَ منه البتة ولذلك عاتب الله تعالى المؤمنين بقوله : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)) (سورة الصف : 3) .
وللتنفيذِ أُوصي بما يلي :
* ضعْ قائمةً بالأشياءِ التي يجبُ القيامُ بها.
* حاولْ أن تجمعْ الأعمالَ المتشابهةَ بعضَها مع بعضٍ في هذه القائمة.
* ابدأ يومَك بطلباتٍ تطلبُها من الآخرين؛ فبينما تقومُ أنت بعملِ أشياءٍ أخرى سيعملُ الآخرون في الوقتِ نفسهِ على إنجازِ الأعمالِ التي طلبتِها منهم، وإذا تعذرَ وجودُ وقتٍ للقيامِ بكلِّ المهامِ فاعملْ على إنجازِ المهامِ الكبرى تطبيقاً لقولِ القائلِ : (اعملْ بذكاءٍ لا بجهدٍ أكثر).
* عند إنجازِ عملٍ ما من القائمةِ عليك شطبُه منها، وهذا في حد ذاتِه يعدُ حافزاً لك على مواصلةِ العمل، ولكن احذرْ أن يتسربَ إليك إحساسٌ خادعٌ بالرضا من شطبِ الأشياءِ من قائمةِ المهام، خاصةً إن كان معظمُها ذا أوليةٍ منخفضة.
* وفي نهايةِ اليومِ احصرْ المهامَ المتبقيةَ ،ولا تحتفظْ بها في القائمةِ نفسِها، بل حوّلِها إلى قائمةِ اليومِ التالي، إلا إذا كنتَ فوّضتَ بعضاً منها إلى آخرين أو أسقطتَها لعدمِ أهميتهِا.
* لا تنس أن يكون يومُك مجزأً بين إنجازِ عملِ اليومِ ، والتفكيرِ في أعمالِ الغدِ ونشاطاته.
* أثناءَ العمل: كن متأكداً بأنك تركزُ على تنفيذِ العملِ الصحيحِ بشكلٍ صحيحٍ في الوقتِ الصحيح.
* عندما يكون الموضوعُ لا يزال جديداً أمامَك فلا تترددْ في أخذِ موقفٍ حيالَه؛ لأن هذا يوفرُ عليك مشقةَ إعادةِ تذكرِ الموقفِ مرةً أخرى.
* لا تكن مهتمّاً بشكلٍ زائدٍ بمسألةِ إنهاءِ العملِ بسرعةٍ؛ فالنتائجُ غيرُ المتقنةِ تعني أنك ستضطرُ إلى إعادةِ القيامِ بالعمل، مما يعني ضياعُ وقتٍ آخر ، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت : قال رسول الله r : (( إن الله يحبُ إذا عملَ أحدُكم عملاً أن يتقنه )) .
وكما قال القائلُ :
قد يدركُ المتأني بعضَ حاجتِه وقد يكونُ مع المستعجلِ الزلل
عليك مراقبةُ مدى التقدمِ في إنجازِ عملِك ، وذلك حتى لا تعودَ إلى ممارسةِ عاداتِك السيئةِ السابقة، وحتى تُجري إصلاحاتٍ وتعديلاتٍ على خطتِك، لتتلاءمَ مع الهدفِ ومع الظروفِ التي تواجُهها.
وفي الختام :
فإن الأشخاصَ الفاعلين لم يولدوا هكذا بالفطرة، بل هم مصنوعون ، والنقطةُ المهمةُ والمحوريةُ التي يجبُ أن تتذكرهَا هي استمرارُ الوعي بالكفاءةِ من خلالِ الوعي بأهميةِ الوقت؛ فذلك أكثرُ أهميةٍ من مجردِ الانصياعِ وتطبيقِ كلِ المبادئِ التي يمكنُ وصفُها.
وتذكر أيضاً أنك لا تستطيعُ إرضاءَ كلَّ شخصٍ، وأن الطريقةَ التي ستستثمرُ بها وقتَك قد تزعجُ آخرين، وقد لا يعاونُونك عليها .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .