نائب السابق أحمد شتيه‏:‏ ثورة يناير تأخرت‏21‏ عاما

, مسلحا بسكين, ومطالبا الرئيس السابق حسني مبارك بقطع رءوس الفساد,
وتطهير البلاد من الرشوة والانحراف, وهو نفس التاريخ الذي تنحي فيه مبارك
عن الحكم بعد21 عاما من تلك الواقعة!
إنها حقا مصادفة غريبة.. فيوم ميلاده هو نفس يوم ثورة يناير.. ويوم ثورته علي الفساد هو يوم تنحي مبارك!
علي الصفحة الأولي في عدد الأهرام رقم(37686) الصادر في11 فبراير من
عام1990, وفي وقت كان الصمت سيد الموقف, وكان رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب
آنذلك, وكمال الشاذلي يحكمان سيطرتهما علي البرلمان ونوابه ممثلي الحزب
الوطني, كان أحمد فؤاد شتيه نائب دمياط يرفض الاستسلام, والابتزاز, والصمت
علي الفساد, وحين كان معظم نواب الوطني يتمسكون بمبدأ السمع والطاعة
العمياء للنظام.. مشغولين بجمع الثروات, واستغلال النفوذ, والحصانة, ونفاق
السلطة, ومسح الجوخ, ضحي شتيه بالمجلس, واستقال منه بعد كلمة نارية عن
الفساد, والرشوة, والمحسوبية, ألقاها تحت القبة, وطالب فيها مبارك بالقيام
بثورة تصحيح جديدة قبل فوات الأوان.. لكن النظام قد سد أذنيه, ولاذ
بالديكتاتورية, وكمم الأفواه, وواصل مسيرته الفاسدة حتي بلغ الغضب مداه!!
قلت: متي دخلت البرلمان؟
كانت أول دورة برلمانية لي في عام1971, وقتها لم يتجاوز عمري32 عاما, وكنت
أصغر النواب سنا تحت القبة, وكان معي علي مقعد الفئات بنفس الدائرة(
فارسكور) المرحوم عبد الرءوف شبانة, وكان عدد أعضاء المجلس في ذلك الوقت420
عضوا, ولم يكن هناك تزوير في الانتخابات, لكن العصبيات والقبليات كانت
تلعب دورها في فوز النواب في الأقاليم.. والدي كان محبوبا علي مستوي محافظة
دمياط, وعلاقاته كانت السبب في فوزي بالعضوية في المجلس, خاصة أن عمري لم
يكن يتجاوز وقتها32 عاما, لكنني واصلت المسيرة فيما بعد وقضيت5 دورات تحت
القبة.
كيف كان حال المعارضة في المجلس منذ فوزك في انتخابات عام1971 وما تلاها من دورات برلمانية؟
لم تكن هناك معارضة تحت القبة, خلال دورتي1971, و1975, ثم أسس الرئيس
الراحل محمد أنور السادات حزب مصر وكان يرأسه في ذلك الوقت اللواء ممدوح
سالم رئيس الوزراء مصر, ثم أنشئت المنابر, ومن بعدها الحزب الوطني.
ومن كان يتولي أمانة التنظيم في الحزب الوطني في ذلك الوقت؟
المرحوم كمال الشاذلي كان أمينا للتنظيم, وكان النواب يمارسون حقهم
الرقابي, وقد عاصرت نواب حزب العمل الذي كان يترأسه المرحوم المهندس
إبراهيم شكري في ذلك الوقت, وهم يعرفون جيدا أنني لم أحصل علي شقة, ولا
قطعة أرض, ولم أستفد بأي صورة من عضوية البرلمان كما فعل كثيرين من النواب
علي مدي الدورات المتعاقبة لهم, وكانت تأتيني رسائل شفهية من زملائي في
المجلس, بأنه بالإمكان تسهيل بعض الأمور, وتلقيت عروضا بالدخول في شراكة
مجانية بنسبة50% في مشاريع زراعية, بالإضافة إلي مساحات شاسعة من الاراضي
بثمن بخس, ورفضت كل هذه الإغراءات, وتعهدت أمام الله بألا أستفيد من
المجلس.. ولم اسع إلي مطلب شخصي لا لنفسي ولا لأهلي, ولم أكن محتاجا للمال,
خاصة أن والدي كان من أثرياء دمياط, وأنفقت ميراثي علي البرلمان, فقد كانت
المكافأة الشهرية التي يتقاضاها النائب في ذلك الوقت75 جنيها, وكانت
مصروفات النائب لاتقل عن2000 جنيه شهريا, ووقتها كنت قد استأجرت دورا كاملا
في أحد فنادق شارع عبد العزيز لاستقبال أبناء الدائرة واستضافتهم.. وكنت
أفعل ذلك عن قناعة, لأنني كنت أعتبر نفسي نائبا عن الغلابة والمساكين
والفقراء.
قنبلة تحت القبة
في11 فبراير من عام1990, وهو نفس اليوم الذي تنحي فيه الرئيس السابق مبارك
بعد21 عاما, دخلت مجلس الشعب بسكين, وطالبت مبارك بقطع رءوس الفساد,
والقيام بثورة تصحيح قبل فوات الأوان, ثم قدمت استقالتك من المجلس.. ما
تفاصيل تلك الواقعة؟
في ذلك الوقت, كان الناس يئنون من الفقر, ومن سوء الأحوال الاقتصادية, في
وقت نشأت فيه طبقة من الأثرياء بسبب سياسة الانفتاح الاقتصادي, وأصبح معظم
الشعب فقيرا, ونفر قليل ينهب الأموال, وفي تلك الأيام أصابتني هذه الظروف
بحالة من الاكتئاب, قلت لنفسي: بعدين؟.. الشعب جاع, والنهب شغال علي ودنه,
المهم أنا كنائبدمي فار, وقررت أن أدخل عرين الأسود, وكنت عارف إني هاموت,
ليلتها نمت وصحيت بدري علشان أروح المجلس, ووضعت السكين في شنطة السيارة,
وكنت متأكد إن مافيا الفساد مش هتسيبني, ودخلت المجلس, ثم ذهبت إلي مكتب
الدكتور رفعت المحجوب رئيس المجلس وحصلت علي دوسيه كبير, ثم عدت علي
السيارة مرة أخري ووضعت السكين في الدوسيه, ودخلت القاعة.
قلت: كيف دخلت المجلس بالسكين؟
ضباط الحرس في مجلس الشعب كانوا يحبونني, وهناك ثقة كبيرة بيني وبينهم.
وبعدين؟
قلت لك انني وضعت السكين في الدوسيه, ودخلت القاعة لحضور الجلسة, وجلست في
الصف الثاني خلف الدكتور يوسف والي ومجموعة من الوزراء كانوا يجلسون في
الصف الأول.. وعندما رآني زملائي النواب سألوني: مالك يا أحمد.. قلت لهم:
أنا مريض.. المهم طلبت الكلمة, ومنحني رئيس المجلس الفرصة, وقلت للحضور: لو
سمحتوا, أطلب من السادة الوزراء, والزملاء الصمت لمدة5 دقائق حتي أنتهي من
كلمتي, في الوقت ده لو رميت إبرة تسمع صوتها, وكان الموقف رهيبا, وكنت
أحتفظ بمستندات الفساد, لأنني كنت اعلم أنني سأحتاجها, وأقدمها لجهات
التحقيق إذا تمت محاكمتي بعد هذه الكلمة, المهم بدأت الكلام وقلت: أيها
الإخوة الزملاء, أنا أتوجه بكلامي إلي الرئيس مبارك:سيادة الرئيس إن شعب
مصر الذي بلغ تعداده الآن56 مليون نسمة, خاض4 حروب, وضحي خلالها بنحو100
ألف شهيد, ومائة مليار جنيه, ومئات الألوف من العجزة واليتامي والأرامل
بنفس راضية, لكن من غير المعقول أن تكون هناك فئة قليلة تعبث بمقدرات هذا
الشعب, وهم فصيلة الحيتان( وكنت أول من أطلق هذا التعبير في مصر).. سيادة
الرئيس: ألزمك أمام الله, والشعب, والتاريخ أن تفرج عن قانون من أين لك هذا
من غرفة الإنعاش لمحاسبة من خربوا اقتصاد هذا البلد, وافقدوا أبناءه
الانتماء والثقة فيه..
أيها الإخوة الزملاء: اسمحوا لي أن أتقدم بهدية باسم شعب مصر للرئيس
مبارك.. ووسط ذهول النواب, أخرجت السكين, وماتت يدي عليها, وكان السكين
يلمع, وصوتي يدوي تحت القبة, ورفعت السكين, وقلت أن رءوس الفساد قد أينعت
وحان وقت قطافها.. إن أصحاب الدخول الطفيلية المستفزة لهذا الشعب قد عاثوا
في الأرض فسادا, قم يا مبارك بثورة تصحيح قبل فوات الأوان.. أيها الأخوة:
اسمحوا لي أن أتقدم باستقالتي, وقلبي ينزف دما, ووضعت الاستقالة علي المنصة
أمام الدكتور رفعت المحجوب رئيس المجلس.. طالبني النواب زملائي بالسكوت,
وطلبوا من المحجوب أن يتدخل ليثنيني عن الاستقالة, قال لهم لو قلت له لا
ممكن يقطع رقبتي بالسكين.. ثم خرجت من القاعة, ودخلت سيارتي, وانصرفت في
شارع قصر العيني, وقتها شعرت بالانتشاء, وبراحة ضمير, وكنت أعرف أنني دخلت
عش الدبابير,وقلت لنفسي: يا تري يا أحمد هاتموت بطلق ناري ولا بسيارة طائشة
مجنونة تدهسك تحت عجلاتها ولا من شاف ولا من دري!!, وبعدها بأربعة أشهر تم
حل المجلس, وأجريت انتخابات جديدة ولم أرشح نفسي.
ألم يتصل بك أحد بعد الاستقالة؟
بعض اللواءات أصدقائي اتصلوا بي, قالوا لي: أيه اللي أنت عملته يا أحمد,
الرئيس مبارك رفع درجة الاستعداد خوفا من قيام الشعب بثورة بسببك, قلت لهم
أنا عملت ما يرضي ربنا وضميري.. وفي عام1987 أرسلت تلغراف للرئيس مبارك
بصفته رئيس الحزب الوطني, وقلت فيه انني لن أرشح نفسي, وطلبت عدم إدراج
اسمي في قوائم الحزب, لكن جاءني رفعت المحجوب في ذلك الوقت, وضغط علي وقبلت
وكان ترتيبي رقم2 في القائمة وكنت السبب في نجاح القائمة لشعبيتي الجارفة
في محافظة دمياط, وفي عام2000 خضت الانتخابات أنا والمرحوم ضياء الدين
داود, وتم إعلان فوزنا في الانتخابات, ثم جاءت التعليمات من القاهرة
بإسقاطنا بعدها بأربع ساعات.
الفساد في التسعينيات
ما هي مظاهر الفساد التي دعتك إلي تقديم استقالتك من البرلمان؟
كان فيه نواب دخلوا المجلس لم يكونوا يملكون مليما, وبعدين أصبحوا أصحاب
ملايين, ولما أسألهم جبتوا الفلوس دي كلها منين؟ يقولوا لي يا شيخ أحمد أنت
ماسك علي دينك, تعال خذ أراضي, وتراخيص مشاريع, ولو وافقت كان ها يبقي لي
النصف في هذه المشاريع علشان يسكتوني.. لكن لو عرضوا علي مصر بالتمليك
مستحيل, وقلت لن أبيع ضميري مهما حدث, وبعد21 عاما من استقالتي من المجلس
اعتراضا علي الفساد, كان مجلس2010 وما حدث فيه من تزوير سببا رئيسيا في
قيام ثورة25 يناير التي تأخرت21 عاما, ولو كانت الثورة قامت منذ ذلك
التاريخ لكنا قد حافظنا علي جزء من أموال مصر المنهوبة, والمهربة إلي
سويسرا وغيرها من الدول.
المحجوب وسرور وعز!
كيف كانت علاقتك برفعت المحجوب؟!
كان رفعت معتزا بشخصيته, وكان يقول لمبارك: لن أسمح ببيع القطاع العام حتي
لو كان آخر يوم في حياتي, كما رفض ضرب العراق, وكان المحجوب ضد أمريكا
وإسرائيل, وقد سعوا للتخلص منه, ولا استبعد أن يكونوا قد تآمروا علي قتله
.. وأحمد فتحي سرور؟
علاقتي به كانت اقل من العادي, لأني لا أمسح جوخ لأحد, ودائما أخد حقي
بيدي, تخيل مرة لقيت نائب قاعد علي الأرض أمام الوزير في القاعة, ويدعي له
ولأولاده بالصحة والبركة, وعاوز عنه مصلحة, بصراحة قربت منه وجذبته من
قفاه, وطرحته أرضا, فأخذ يبكي.. والنائب اللي مكنش نظيف كان بياخد علي
قفاه, ويعاملونه باحتقار كامل وشامل خاصة نواب الوطني!
هل كان لك علاقة بأحمد عز أمين التنظيم السابق في الحزب الوطني المنحل ورئيس لجنة الخطة والموازنة في البرلمان السابق؟
أنا كنت بعيدا عنه, ولم تكن بيننا أي علاقة, لكن علاقة أحمد عز بجمال كانت
سببا في الغضب الشعبي, وبصراحة أقولها لك, اللي ضيع مبارك جمال وأمه وأحمد
عز وحبيب العادلي, كما أنهم وضعوه في مواجهة مع الشعب.
.. وزكريا عزمي!
زكريا كان شغال علي جميع الأطراف, كان بيقول إن الفساد في المحليات وصل
للركب, ثم اكتشفنا أنه جزء من منظومة الفساد, بصراحة البلد بقت ز س إما
سرقوا البلد ونهبوها أو سكتوا عن الفساد, والنتيجة أن الشعب أصبح فقيرا,
ومعدما, ومش لاقي ياكل!!
.. وكمال الشاذلي.. ماذا كان يفعل مع النواب؟
كمال كان قويا, وكان يتصيد للنواب حتي يلتزموا الصمت, لكني لا أهتم بذلك لأنني لم أستفد من عضوية المجلس, وكنت جاهز للموت!
في تقديرك.. لماذا يقاتل البعض من أجل الفوز بعضوية البرلمان؟
طبعا, يقاتلون ونصف.. النائب يتقاضي مكافأة من المجلس قد تصل إلي8 أو10
آلاف جنيه شهريا, ناهيك عن القروض بدون فوائد, والأراضي, والشقق,
والتسهيلات الائتمانية, وتفرغوا للمصالح الخاصة, والمشروعات
النائب بين الخدمات والتشريع
يري البعض أن مهمة النائب يجب أن تنحصر في التشريع وليس خدمات أهل الدائرة.. فما رأيك؟!
المفروض أن يكون دور النائب تشريعيا, لكنه لو اهتم بذلك وانصرف عن خدمة
أهالي الدائرة فسوف يسقط بالتزكية في الانتخابات التالية, أنا مثلا الناس
كانوا يؤيدوني ويختاروني لأني كنت أقدم لهم خدمات.
نسبة العمال والفلاحين
هل أنت مع بقاء نسبة العمال والفلاحين في البرلمان؟
أنا ضدها, وأتمني إلغاء نسبة العمال والفلاحين من المجلس, ويجب إلغاء هذه الصفة.. فهناك لواءات دخلوا البرلمان بصفة عامل.
فلول الوطني
هل كل نواب الوطني يستحقون لقب فلولس!
لا.. ليس كل نواب الوطني فلولا.. أنا كنت واحدا من نواب الوطني, لكني ثرت
ضد الفساد وقدمت استقالتي, ولا أحد من المعارضة كان يتوقع ما فعلته تحت
القبة.. وقتها صفق لي الجميع, وطلب مبارك احتواء الموضوع خوفا من حدوث
ثورة!
الحصانة البرلمانية
.. وحصانة النائب.. هل أنت معها ؟
أنا مع الحصانة تحت القبة, وليس خارجها, ويجب أن يعامل النائب كأي شخص
خارج البرلمان, لان هناك نوابا استفادوا من الحصانة.. وهناك تجار مخدرات
دخلوا المجلس وحصلوا علي العضوية في برلمان عام.90
الانتخاب بالقائمة أو الفردي
كنت نائبا لمدة5 دورات.. فأيهما تفضل الانتخاب بالقائمة أم بالفردي؟
الانتخاب الفردي يحتاج نوابا أقوياء.. وفي القائمة ممكن يكون هناك2 أو3
مرشحين أقوياء والباقي زفت, وبلا شعبية, والناس بشكل عام تنتخب القائمة
كلها علشان الأسماء الثلاثة الأولي, وكان نفسي تبقي الانتخابات بالفردي..
لكن بشكل عام أصابني التناحر الحزبي باكتئاب!
.. لكن هذا معناه نجاح فلول الوطني؟!
ينجحوا لو الشعب اختارهم.. ولو الشعب مخدهمش ياخدهم ربنا!
هل تتوقع أن يكون للتيار الديني الغلبة في الانتخابات القادمة؟
المعركة القادمة صعبة, ولا أتوقع فوز مرشحي التيار الديني بعدد كبير من
المقاعد, هناك40 حزبا أو أكثر ولا أحد يعرفهم, لكني أخشي علي الانتخابات من
البلطجة, والانفلات الأمني, خاصة كميات السلاح التي تم الاستيلاء عليها من
أقسام الشرطة خلال الثورة, والكميات التي تم تهريبها عبر الحدود خلال
الشهور الأخيرة.