السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته
كيف نهدّئ الفراشات ولا نسحق أجنحتها؟
كيف نهدّئ الفراشات ولا نسحق أجنحتها؟
إستراتيجية التثبيط في معالجة الإفراط السلوكي
الدكتور مصطفى أبو سعد
هناك استراتيجيات كثيرة في
معالجة المشكلات السلوكية لدى الأطفال بصفة عامة، وعبرنا
باستمرار عن المشكلات السلوكية المزعجة دون تصنيف لتقديرنا أن الكثير
منها يكون طبيعياً تقتضيه مرحلة النمو ولا يعد أصلاً مشكلاً وإن كان مزعجاً.
وبعضها يعد سلوكاً عابراً لا ينبغي أن يثير اهتماماً مبالغاً فيه
لئلا يثبت ويدعّم من حيث لا يدري المربون.
والاستراتيجيات التي سوف نتحدث عنها في
الوقفات التالية مخصصة لسلوكيات محددة يتم تصنيفها بداية
لنقوم فيما بعد بتحليلها وإيجاد الاستراتيجية المناسبة
لتعديلها وإصلاحها.
إستراتيجية التثبيط في معالجة الإفراط السلوكي:
قبل أن يحدّد المربي أسلوب
التدخل واختيار الاستراتيجية الملائمة يحتاج إلى تصنيف
السلوك وتحديده. ونتناول في هذه الوقفة النوع الأول من السلوك المزعج وهو:
الإفراط السلوكي:
الإفراط –أو التطرّف- السلوكيّ هو السلوك المزعج المبالغ
فيه بحيث يرفض من الجميع. من
الأسرة والمدرسة والمجتمع والمجموعات التي ينتمي إليها الطفل.
ومن أمثلة الإفراط السلوكي:
أ- الشجار المبالغ فيه.
ب- العدوانية الزائدة والعناد المفرط.
ت- التمرد المستمر، والتحدي المتكرر لسلطة الوالد بصفة خاصة والسلطة
بصفة عامة.
ث- الرد العنيف على المربي (أب، مدرس..)
ج- الاستئثار بانتباه المربي
ح- السباب والتلفظ بألفاظ قبيحة ونابية..
خ- تحطيم الممتلكات العامة وممتلكات الغير.
د- الإفراط في الأكل..
ذ- السرقة والكذب المستمر..
ر- متابعة التلفاز لفترات طويلة (إدمان)
السلوك المتطرف يستوجب تدخلاً للحد منه من خلال التقليل من تكراره
في المراحل الأولى للوصول إلى استئصاله نهائياً لاحقاً.
كيف نعالج الإفراط السلوكي؟
الإفراط السلوكي يتطلب تدخلاً
سليماً ولا يمكن تجاهله، ولذلك يحرص المربي عادة على التقليل
من حدته في البداية أو التقليل من حدوثه وتكراره. ليصبح الطفل أقل عنفاً
وعناداً وعدوانية أو أقل تمرداً وتدميراً..
مهم جداً وضع الإفراط السلوكي لدى
الطفل في سياق خاص ومحدد (تاريخ تعلّمه، ولحظات
تكراره وسياق حدوثه) للإحاطة بجوانب مهمة للمربي تساعده
على تحديد المشكلة ومحاصرة
مثيرات الإفراط السلوكي. ولذلك من المهم تحديد ما يلي:
1- الإشباع
النفسي الذي يناله الطفل من خلال الإفراط السلوكي.
2- من
يوفر للطفل هذا الإشباع.
3- هل
يحصل الطفل على لذّة (انتباه، استحسان، مكافآت مادية..) عندما يقع في الإفراط
السلوكي؟
هذه الملاحظات ضرورية لاكتشاف المدعّمات التي تكمن وراء الإفراط
السلوكي وقد تتطلب من المربي وقتاً وجهداً لتحديدها ومعرفتها.
وفي اعتقادنا إنّ تخصيص وقت
وجهد أكبر لاكتشاف هذه المدعّمات أهم وأجدى وأنفع من
التدخل السريع بالعقاب والصراخ والتأنيب والنقد. فما أن يتحدد المدعم حتى
يصبح الحل أسهل.
تقنيات التثبيط
الأساليب التربوية المستخدمة في
التقليل من الإفراط السلوكي تسمى تقنيات أو استراتيجيات
التثبيط، وهي أساليب كلما لجأ إليها المربي واستخدمها بشكل إيجابي
كلما بدأ يستغني عن الأساليب الخطأ في التربية أو الأساليب السلبية من
مثل العقاب والصراخ..
1- الإطفاء:
هذه التقنية تقوم على
استبعاد المدعّم. وهي ببساطة تجاهل الطفل عندما يحدث منه إفراط
سلوكي، وهذا لا يعني تجاهل السلوك بل تفويت فرصة الطفل للحصول على المدعِّم.
فلو كان الطفل ينتظر استحساناً أو مكافأة من الإفراط السلوكي فتقنية
الإطفاء تعني تجاهل المدعِّم. وهذا يقلل بشكل كبير السلوكَ المتطرف ويجعله
يتلاشى تدريجياً مع الوقت.
2- التوقيف
والانسحاب:
وتعني هذه التقنية أن يتجاهل المربّي الإفراط السلوكي ويعبّرَ في
الوقت نفسه عن رفضه إما بالانسحاب أو بإدارة ظهره.
3- تكلفة الإفراط
السلوكي:
وهذا يتم بوضع قانون يشرح
للطفل ويحاور فيه ويقنع به ليكون حافزاً خارجياً للتخلي
عن الإفراط السلوكي. ومن أمثلة هذه التقنية أن تجعل الطفل يدفع غرامة
كلما صدر منه سلوك مفرط – تُحدّد سلفاً في صورة أشياء يراها ذات قيمة (نقود،
امتيازات، فترة متابعة شيء يحبّه، فترة لعب..) وهذه التكلفة تختلف عن
أسلوب الحرمان. فهي وسائل متفق عليها سلفاً مع الطفل ومحددة لسلوك مفرط سبق
ونُبِّه الطفل عليه.
4- التدعيم
التفاضلي للسلوك المقابل:
هذه التقنية تقتضي تدعيماً
إيجابياً من المربي للسلوك المقابل للسلوك المفرط مثل
الانتباه ومدح سلوك الهدوء كلّما صدر عن طفل معروف بنشاطه وحركته المفرطة
والزائدة. وذلك مقابل تجاهله وعدم انتباهه للسلوك المفرط.
5- التشكيل
والمحاكاة:
التشكيل يعني منح الطفل مثالاً
وأنموذجاً يقتدي به، لا سيما أن يكون هذا الأنموذج طفلاً
قريباً من سنه. فيقوم بأداء السلوك المقابل للسلوك المتطرف أمامه ويطلب
من الطفل على شاكلة مرح ولعب محاكاة هذا السلوك النموذجي. ويتمّ تدعيم
هذه المحاكاة إن تمت بنجاح تدعيماً إيجابياً. مع ضرورة تجنّب أسلوب المقارنة
والنقد والتحبيط والملاحظات السلبية التي تربك الطفل بشكل نهائي.
إن عملية التشكيل والمحاكاة ينبغي أن تتم في مناخ من التعاون
والتفهم والمرح واللعب لتعطي أُكلها.
6- تغيير
المعتقد والصورة:
وهذا أسلوب غير مباشر، فبدل
مواجهة السلوك المتطرف وأعراضه، أحاول تغيير أفكار الطفل
ومعتقداته عن هذا السلوك. ومن هذه الأساليب تبصير الطفل بعواقب هذه السلوكيات
على شخصيته وعلاقاته بالآخرين. ويمكن للمربي تعليم الطفل إيحاءات يكرّرها
ويردّدها مرات عدة خلال اليوم تحقق له بناء معتقدات إيجابية
لازمة لتخليه عن السلوك المتطرف. كما إنّ ترديد هذه
الإيحاءات الإيجابية يحقّق للطفل
قوة الانضباط الذاتي الذي يأتي نتيجة الأسلوب المعرفي
من خلال تغيير الأفكار والمعتقدات.
(يمكن الرجوع لكتاب تشكيل الطفل: د. جورج كاليادن للاستزادة في تقنية
تعديل السلوك).
إنّ عملية تصنيف السلوك
مهمّة وضرورية لحسن التعامل مع الطفل من خلال فصل الطفل
عن سلوكه أولاً، ومن خلال تحديد شدة المشكلة وحدتها. وهي خطوات التربية
الإيجابية التي تبنى على أسس علمية بعيدة عن العاطفة وسرعة التصرف ولغة
الانفعالات والغضب.