................ .المسخ الدجال
تروي لنا الأديان حكاية رجل يظهر في آخر الزمان و يأتي من الخوارق و المعجزات بما يفتن الناس من
كافة أرجاء الأرض فيسيرون خلفه و قد اعتقدوا أنه إله .
و تصفه الروايات بأنه أعور ، و أنه يملك من القوة الخارقة ما يجعله يرى ذه العين الواحدة ما يجري
في أقصى الأرض كما يسمع بأذنه ما يتهامس به عبر البحار ، كما يسقط الأمطار بمشيئته فينبت
الزرع و يكشف عن الكنوز المخبوءة و يشفى المرضى و يحيي الموتى و يميت الأحياء و يطير بسرعة
الريح .
و يفتتن به كل من يراه و يسجد له ، على أنه الله . على حين يراه المؤمنون على حقيقته و لا
تخدعهم معجزاته ، و يش هدون رسم الكفر على وجهه .
ذلك هو المسيخ الدجال ، إحدى علامات الساعة التي نقرأ عنها في كتب الدين .
و المسيخ الدجال قد ظ هر بالفعل كما يقول الكاتب البولندي ليوبولدفايس ... و قد أسلم هذا
الكاتب و عاش بمكة . و تسمى باسم محمد أسد .
و هذا المسيخ الشائه ذو العين الواحدة كما يقول ليوبولدفايس هو :
التقدم العلمي و القوة المادية و الترف المادي .. معبودات هذا الزمان .
مدينة العصر ال ذري ، العوراء العرجاء ، التي تتقدم في اتجاه واحد ، و ترى في اتجاه واحد هو الاتجاه
المادي ، على حين تفتقد العين الثانية ( (الروح )) التي تبصر البعد الروحي للحياة .. فهي قوة بلا محبة
، و علم بلا دين ، و تكنولوجيا بلا أخلاق .
و قد استطاع هذا المسخ فعلاً عن طريق العلم أن يسمع ما يدور في أقصى الأرض ( (باللاسلكي )) و
يرى ما يجري في آخر الدنيا ( (بالتلفزيون )) ، وهو الآن يسقط المطر بوسائل صناعية ، و يزرع
www.elaosboaonline.com
٥١
الصحارى و يشفي المرضى و ينقل قلوب الأموات إلى قلوب الأحياء ، و يطير حول الأرض في
صواريخ و ينشر الموت و الدمار بالقنابل الذرية ، و يكشف عروق الذهب في باطن الجبال .
و قد افتتن الناس ذا المسخ فعبدوه .
و امام هذا الاستعراض الباهر للتقدم العلمي الغربي فقدنا نحن الشرقيين ثقتنا بأنفسنا و نظرنا باحتقار
إلى تراثنا و ديننا .
و في حمى الشعور بالنقص و التخلف تصورنا أن دياناتنا ضرب من الخرافات المخجلة التي يجب أن
نتخلص منها لنلحق بركب التقدم و ندخل في رحاب المعبد الجديد . معبد العلم لنعبد ذلك الإله
الجديد الذي اسمه القوة المادية .
و سجدنا مبهورين فاقدي الوعي و قد اختلطت علينا الوسيلة بالغاية .. فجعلنا من القوة المادية غايتنا
. و نسي نا أا مجرد وسيلة و أداة .
القطار وسيلة .
و التلغراف وسيلة .
و الكهرباء وسيلة .
و الطاقة الذرية وسيلة .
و دور هذه الوسائل أن توضع في خدمة الإنسان لتحرره من الضرورات المادية فيفرغ إلى الفكر و
التأمل و إثراء روحه بالمعرفة الحقة .
و بدلاً من أن تكون هذه الوس ائل في خدمتنا أصبحنا نحن في خدمتها نكد و نكدح و نتعارك و
نتكالب لنمتلك عربة و راديو و تلفزيوناً . فإذا امتلكنا هذه الأشياء ازددنا ماً و رغبة لنمتلك عربة
أكبر من العربة ثم جهاز تسجيل ستريو فونيك ثم قارباً للترهة ثم يختاً ثم فيلا و حديقة و حمام سباحة
.. ثم طائرة خاصة إن أمكن . و يطيش صوابنا شيئًا فشيئاً أمام سيل المنتجات الاستهلاكية التي تملأ
الفاترينات .. و نتحول إلى جوع أكال يزداد جوعاً كلما أمعن في الشراء . و حلقة مفرغة من
الأطماع لا تنتهي لتبدأ ، و هي أبدًا دف إلى اقتناء سبب من أسباب القوة المادية أو الترف الحياتي
مما تطرحه التكنولوجيا كل يوم في واجهات المحلات .
و كما يكدس المواطن العادي البضائع الاستهلاكية تكدس الدول الأسلحة و الذخائر ثم تدمر ا
بعضها بعضًا في حروب طاحنة ثم تعود فتكدس أسلحة أخطر و قنابل أكبر .
العالم أصبح مسرحاً مجنوناً يهرول فيها ا انين في اتجاه واحد نحو القوة المادية . المسيخ الدجال الأعور
ذو العين الواحدة . معبود هذا الزمان .
لا إله إلا المادة .
هذه هي الصلاة اليومية .
www.elaosboaonline.com
٥٢
اختفى الإيمان بالله .
و اختفى معه الإحساس بالأمن و السكينة و الطمأنينة .
و أصبحت الصورة الفلسفية للعالم هي غابة يتصارع فيها المخلب و الناب .
صراع طبقي .. و صراع عنصري .. و صراع عقائدي .. عالم فظيع من الخوف و القتل .
و لا أحد في السماء يرعى هذا العالم و يحفظه .
إلى هذه الحالة انتهت بنا عبادة الدجال الذي اسمه القوة المادية .
والنتيجة هي هذا الإنسان الكئيب المهموم الخا ئف القلق . وهذا الشاب الذي يدمن المخدرات في
شوارع لندن وباريس .. والانتحار والجنون الذي بلغ ذروته في بلاد الغنى والوفرة والرخاء أمثال
السويد والنرويج وأمريكا .
وإنسان المذعور الذي افتقد الأمان يحاول أن يستجلب لنفسه هذا الأمان بالوسائل الصناعية
التكنولوجية .. عن طريق عين سحرية يضعها على الباب تعمل بالأشعة تحت الحمراء لاكتشاف
اللصوص . و جرس الإنذار للخزينة . و رسم كهربائي للقلب كل شهر لاكتشاف الجلطة قبل أواا
. و أجهزة تكييف للحر و البرد و بوالص تأمين . و عشرات الأصناف من الفيتامينات و المسكنات
و المنبهات و عش رات الأجهزة التي توفر الجهد و القوة العضلية .
و كل وسيلة مادية تحتاج بدورها إلى وسيلة مادية أخرى لتؤمنها . و في النهاية لا أمان ، بل مزيد
من الخوف و القلق و سعار نحو مزيد من الوسائل المادية بلا جدوى .
و ينسى الإنسان في هذا التيه الذي أضاع فيه عمره أنه أخ طأ منذ البداية حينما تص ور أن هذا العالم
بلا إله و أنه قذف به إلى الدنيا بلا نواميس تحفظه و بلا رب يسأله .
و أخطأ مرة أخرى حينما عبد القوة المادية و جعل منها مصدرًا لسعادته و هدفاً لحياته و غاية لسعيه
، و أقامها مكان الله . و تصور أا يمكن أن تمنحه الأمن و السكينة و الاطمئنان المفتقد ، و أا يمكن
أن تحفظه من الموت و الدمار ، فإذا هي نفسها التي تسلبه سكينة النفس ، ثم إذا ا في النهاية تصبح
أدوات الحروب التي تدمره و تبعثره أشلاء .
و أخطأ مرة ثالثة حينما تصور أنا الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء علوم و أن الد ين خرافة .
و لو انه فكر قليلاً لأدرك أن الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء هي في الواقع علوم جزئية تبحث في
الجزيئات و العلاقات و المقادير و الكميات .. و أن الدين علم كلي يبحث في ا لكليات .. بل هو
www.elaosboaonline.com
٥٣
منتهى العلم لأنه يبحث في البدايات الأولى للأشياء و النهايات المطلق ة للأشياء ، و الغايات النهائية
للوجود ، و المعنى العالم للحياة و المغزى الكلي للألم .
الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء هي العلوم الصغيرة .
و الدين هو العلم الكبير الذي يشتمل على كل العلوم في باطنه .
و لا تعارض بين الدين و العلم ، لأن الدين في ذاته منتهى العلم المشتمل بالضرورة على جميع لعلوم .
و الدين ضروري و مطلوب لأنه هو الذي يرسم للعلوم الصغيرة غاياا و أهدافها و يضع لها وظائفها
السليمة في إطار الحياة المثلى .
الدين هو الذي يقيم الضمير .
و الضمير بدوره يختار للطاقة الذرية وظيفة بناءة .. و لا يلقى ا دمارًا و موتًا على الأبرياء .
و هو الذي يهيب بنا أن نجعل من الكهرباء وسيلة للإضاءة لا وسيلة للهلاك .
و الدين هو الذي يدلنا على أن كل العلوم وسائل هي الأخرى . و المادة ذاا مخلوقة مثلنا و ليست
إلهاً يعبد .. و أا لا تستطيع أن تمنح الإنسان الأمن و السكينة و الس عادة .. و أا من طبيعتها
التحلل و الفساد و التبدل و التغير شأا شأن ذلك الكون الناقص و أا لا تصلح سندًا و لا تشكل
قوة حقيقية .
و التقدم المادي مطلوب و لكنه وسيلة لا أكثر من وسائل الإنسان المتحضر و لا يصح أن يكون
غايته .
و الدين لا يرفض التقدم المادي و لكنه يضع في مكانه كوسيلة لا غاية .
و الدين لا يرفض العلم بل يأمر به و يحض عليه و لكنه يضعه في مكانه كوسيلة للمعرفة ضمن
الوسائل العديدة التي يملكها الإنسان كالفطرة و البصيرة و البداهة و الإلهام و الوحي .
و رفض العلم و رفض الأخذ بالوسائل المادية المتقدمة خطي ئة مثل عبادة هذه الوسائل و الخضوع لها
سواء بسواء ، و هو أحد أسباب التأخر في بلادنا .
و أنت تجد في الشرق أحد اثنين .. تجد من يرفض العلم اكتفاء بالدين و القرآن .. و تجد من يرفض
الدين اكتفاء و عبادة للعلم المادي و الوسائل المادية .
و ملا الاثنين سبب من أسباب النكبة الحضارية في المنطقة .. و كلاهما لم يفهم المعنى الحقيقي للدين
و لا المعنى الحقيقي للعلم .
و الدين ، و الإسلام خاصة ، يعتبر العلم فريضة .. و يقول نبينا إن من مات مهاجرًا في سبيل العلم
فقد مات شهيدًا .. و عن العلماء ورثة الأنبياء .. و إن علينا أن نطلب العلم و لو في الصين .. و
أول كلمة نزلت في القرآن هي ( (اقر أ)) .
و الإسلام دين عقل يخاطب أتباعه بالمنهج العقلي .
www.elaosboaonline.com
٥٤
فالعلم و التقدم العلمي المادي له مكانه العظيم في ديننا .
و لكن هو دائماً وسيلة لا غاية .. أداة لا صنم معبود ..
و هذا هو وضع الشيء في وضعه الصحيح .
فالوسيلة المادية لا تمنح النفس أمناً و لا سكينة . و إنما هي سبيل إلى الترف و الرفاهية و تيسير الحياة
.. أما القلق و الخراب الروحي فأنه يبقى و لا يزول بالرغم من وجود الفريجيدير و التلفزيون و
الريكوردر و جهاز التكييف و جميع الوسائل المادية . بل إن هذا القلق و الخراب الروحي يتفاقم
بازدياد خضوع الإنسان لهذه الوسائل و جريه وراءها .
و لا تترل السكينة على القلب و لا تعمر الروح بالطمأنينة و الأمان إلا بوسيلة واحدة هي الاعتقاد
بأن هناك إلهاً خلق الكون و أن هذا الإله عادل كامل .. و أنه هيأ الكون نواميس تحفظه و قدر فيه
كل شيء لحكمة و سبب و أننا راجعون إليه . و أن آلامنا و عذابنا لن تذهب عبثاً . و أن الفرد
حقيقة مطلقة و ليس ترساً في آلة مصيره إلى التراب .
هذا اليقين الديني هو وحده الذي يرد للإنسان اعتباره و كرامته و ليس الفريجيدير و التلفزيون و
الريكوردر و لا أية وسيلة مادية مهما عظمت .
و ذا اليقين تترل السكينة على القلب و يصل الإنسان إلى حالة من العمار الروحي و التكامل
الداخلي و يشعر بنفسه أقوى من الموت و أقوى من الظلم .
و ذا اليقين يجابه أعظم الأخطار و يقهرها فهو بإيمانه في حصن أقوى من دروع الدبابات . حصن
لا سبيل إلى اختراقه بأي قذيفة . لأنه حصن يعبر الموت ذاته .
و ذا الإيمان يشعر الإنسان أنه استرد هويته و أنه أصبح هو هو حّقاً .. و أنه أدرك ذاته و تعرف
على نفسه و مكانته من خلال إدراكه للإله الواحد الكامل .
و الذي جرب هذا الشعور النادر يعلم أنه حالة من الاستنارة الداخلية و أنه ليس افتعالاً .. و ليس
استجلابًا مزيفاً للأمان .. و إنما هو الحق عينه .. و أنه الصحو و ليس الحلم .
و إنا نعلم أمر هذا اليقين من حال نقيضه ..
من حال كثرة الناس الذين يعبدون الدجال ..
مسيخ العصر الذري ذو المخ الإلكتروني .
هذه الكثرة التي تتصارع بالمخلب و الناب و تأكل المخدرات و تتخبط على أبواب الجنون و الانتحار
و تنحدر في خطوات دموية إلى حرب عالمية ثالثة .
و سوف تقول لك فطرتك أي الاثنين على حق ؟
هذه الكثرة التي يأكل بعضها بعضاً و تتآكل حقدًا و غلاً و ضراوة .. أم هذه القلة التي نزلت على
قلوا ال سكينة و أدركت أن هناك إلهاً ..
www.elaosboaonline.com
٥٥
* * *
و الدين لا يرفض الحياة و لا يرفض العقل .
و الإسلام بالذات ينطلق من مبدأ حب الحياة و الحرص عليها و رعايتها ، و بحض على احترام
العقل و على طلب العلم و يقدم شريعة عصرية توحد بين الروح و الجسد في التئام فريد .. لا
الروح تط غى على الجسد و لا الجسد يطغى على الروح و إنما يتصرف الاثنان على أما واحد ..
فهو لا يطلب كنا أن نميت الشهوة و إنما يطلب منا أن ننظمها و نوجهها في إطار العلاقة
المشروعة .. و معيار التقوى عنده ليس الانقطاع للعبادة و العزلة و الرهبانية .. و إنما معيارها
العمل .. تسبيح الروح لا بد أن يقترن بعمل اليدين و سعي القدمين من أجل خير اتمع و نفعه
.. و الصلاة لا يكفي فيها خشوع النفس و إنما لا بد أن يعبر الجسد عن الخشوع هو الآخر و
في ذات الوقت بالركوع و السجود ..
و الصلاة الإسلامية هي رمز لهذه الوحدة التي لا تتجزأ بين الروح و الجسد . .الروح تخشع و
اللسان يسبح و الجسد يركع .
و الطواف حول الكعبة رمز آخر لدوران الأعمال حول القطب الواحد .. و استهداف الحركات
و الأفكار لهف واحد هو الخالق الذي خلق الإنسان حيث لا موجود بحق إلا هو ، و حيث كل
شيء منه و إليه .. و الطواف هو التعبير الجسماني و النفساني و الروحاني لهذا التوحيد .
و ذا يعيد الإسلام إلى الإنسان التئامه روحاً و جسدًا و يعيد إليه السكينة فينتهي ذلك الصراع
الأزلي بين الشهوة و العقل ، و يولد منهما شيء جديد هو الشهوة العاقلة البصيرة التي يتوحد
فيها النقيضان .. كما تتوحد الع اطفة مع الفكر و الباطن مع الظاهر فلا نعود نرى ذلك المخادع
يخالف قلبه عقله و يخالف عقله قوله و يخالف قوله فعله .. و إنما يقوم مقام ذلك الإنسان المفكك
الممزق .. إنسان جديد توحد روحاً و جسدًا .. و قو ً لا و فعلاً .. و باطناً و ظاهرًا ..
و بوصول الإنسان إلى وحدته مع نفسه يصل إلى وحدته مع ربه .. و هي حالة القرب التي
يدخل ا الإنسان دائرة الضوء و يضع قدمه على حافة الملكوت .
و يدور الإسلام حول هذه الفكرة المحورية .. فكرة التوحيد .. و يؤكد القرآن هذا المعنى في كل
حرف و كل كلمة و كل آية و يكرره بمختلف الصور و القصص و الأمثلة و الحكم و العبر .
و الإسلام يقدم للعصر المادي باب النجاة الوحيد و الحل الوحيد و المخرج الوحيد .. فهو يقدم
إليه كل تراثه الروحي دون أن يكلفه أن يترل عن شيء من مكتسباته العلمية أو تفوقه المادي ..
و كل ما يريده الإسلام هو أن يحقق الاقتران الناجح و التزاوج الناجح بين المادة والروح لتقوم
مدينة جديدة هي مدينة القوة و الرحمة ، حيث لا تكون القوة المادية مسخاً معبودًا و إنما تكون
www.elaosboaonline.com
٥٦
أداة و وسيلة في يد القلب الرحيم .. و بذلك يتم تحطيم المسخ الدجال .. و تقوم دولة الإنسان
الكامل .
* * *
و جواباً على الذين يسألون في حيرة : لماذا خلقنا الله ؟ لماذا أوجدنا في هذه الدنيا ؟ و ما حكمة
هذا العذاب الذي نعانيه ؟
يجيب القرآن بمجموع آياته .. إن الله أنزل الإنسان إلى الدنيا بفضول مفطور فيه .. ليتعرف على
مجهولاا ثم يتعرف على نفسه . و من خلال إدراكه لنفسه يدرك ربه .. و يدرك مقام هذا الرب
الجليل فيعبده و يحبه و بذلك يصبح أهلاً لمحبته و عطائه .. و لهذا خلقنا الله .. و هذا الهدف
النهائي .. ليحبنا و يعطينا .. و هو يعذبنا ليوقظنا من غفلتنا فنصبح أهلاً لمحبته و عطائه .
بالحب خلق
و للحب خلق .
تبارك و تعالى في سماواته ، الذي خلقنا ب اسمه الرحمن الرحيم .
تم بعون الله
تروي لنا الأديان حكاية رجل يظهر في آخر الزمان و يأتي من الخوارق و المعجزات بما يفتن الناس من
كافة أرجاء الأرض فيسيرون خلفه و قد اعتقدوا أنه إله .
و تصفه الروايات بأنه أعور ، و أنه يملك من القوة الخارقة ما يجعله يرى ذه العين الواحدة ما يجري
في أقصى الأرض كما يسمع بأذنه ما يتهامس به عبر البحار ، كما يسقط الأمطار بمشيئته فينبت
الزرع و يكشف عن الكنوز المخبوءة و يشفى المرضى و يحيي الموتى و يميت الأحياء و يطير بسرعة
الريح .
و يفتتن به كل من يراه و يسجد له ، على أنه الله . على حين يراه المؤمنون على حقيقته و لا
تخدعهم معجزاته ، و يش هدون رسم الكفر على وجهه .
ذلك هو المسيخ الدجال ، إحدى علامات الساعة التي نقرأ عنها في كتب الدين .
و المسيخ الدجال قد ظ هر بالفعل كما يقول الكاتب البولندي ليوبولدفايس ... و قد أسلم هذا
الكاتب و عاش بمكة . و تسمى باسم محمد أسد .
و هذا المسيخ الشائه ذو العين الواحدة كما يقول ليوبولدفايس هو :
التقدم العلمي و القوة المادية و الترف المادي .. معبودات هذا الزمان .
مدينة العصر ال ذري ، العوراء العرجاء ، التي تتقدم في اتجاه واحد ، و ترى في اتجاه واحد هو الاتجاه
المادي ، على حين تفتقد العين الثانية ( (الروح )) التي تبصر البعد الروحي للحياة .. فهي قوة بلا محبة
، و علم بلا دين ، و تكنولوجيا بلا أخلاق .
و قد استطاع هذا المسخ فعلاً عن طريق العلم أن يسمع ما يدور في أقصى الأرض ( (باللاسلكي )) و
يرى ما يجري في آخر الدنيا ( (بالتلفزيون )) ، وهو الآن يسقط المطر بوسائل صناعية ، و يزرع
www.elaosboaonline.com
٥١
الصحارى و يشفي المرضى و ينقل قلوب الأموات إلى قلوب الأحياء ، و يطير حول الأرض في
صواريخ و ينشر الموت و الدمار بالقنابل الذرية ، و يكشف عروق الذهب في باطن الجبال .
و قد افتتن الناس ذا المسخ فعبدوه .
و امام هذا الاستعراض الباهر للتقدم العلمي الغربي فقدنا نحن الشرقيين ثقتنا بأنفسنا و نظرنا باحتقار
إلى تراثنا و ديننا .
و في حمى الشعور بالنقص و التخلف تصورنا أن دياناتنا ضرب من الخرافات المخجلة التي يجب أن
نتخلص منها لنلحق بركب التقدم و ندخل في رحاب المعبد الجديد . معبد العلم لنعبد ذلك الإله
الجديد الذي اسمه القوة المادية .
و سجدنا مبهورين فاقدي الوعي و قد اختلطت علينا الوسيلة بالغاية .. فجعلنا من القوة المادية غايتنا
. و نسي نا أا مجرد وسيلة و أداة .
القطار وسيلة .
و التلغراف وسيلة .
و الكهرباء وسيلة .
و الطاقة الذرية وسيلة .
و دور هذه الوسائل أن توضع في خدمة الإنسان لتحرره من الضرورات المادية فيفرغ إلى الفكر و
التأمل و إثراء روحه بالمعرفة الحقة .
و بدلاً من أن تكون هذه الوس ائل في خدمتنا أصبحنا نحن في خدمتها نكد و نكدح و نتعارك و
نتكالب لنمتلك عربة و راديو و تلفزيوناً . فإذا امتلكنا هذه الأشياء ازددنا ماً و رغبة لنمتلك عربة
أكبر من العربة ثم جهاز تسجيل ستريو فونيك ثم قارباً للترهة ثم يختاً ثم فيلا و حديقة و حمام سباحة
.. ثم طائرة خاصة إن أمكن . و يطيش صوابنا شيئًا فشيئاً أمام سيل المنتجات الاستهلاكية التي تملأ
الفاترينات .. و نتحول إلى جوع أكال يزداد جوعاً كلما أمعن في الشراء . و حلقة مفرغة من
الأطماع لا تنتهي لتبدأ ، و هي أبدًا دف إلى اقتناء سبب من أسباب القوة المادية أو الترف الحياتي
مما تطرحه التكنولوجيا كل يوم في واجهات المحلات .
و كما يكدس المواطن العادي البضائع الاستهلاكية تكدس الدول الأسلحة و الذخائر ثم تدمر ا
بعضها بعضًا في حروب طاحنة ثم تعود فتكدس أسلحة أخطر و قنابل أكبر .
العالم أصبح مسرحاً مجنوناً يهرول فيها ا انين في اتجاه واحد نحو القوة المادية . المسيخ الدجال الأعور
ذو العين الواحدة . معبود هذا الزمان .
لا إله إلا المادة .
هذه هي الصلاة اليومية .
www.elaosboaonline.com
٥٢
اختفى الإيمان بالله .
و اختفى معه الإحساس بالأمن و السكينة و الطمأنينة .
و أصبحت الصورة الفلسفية للعالم هي غابة يتصارع فيها المخلب و الناب .
صراع طبقي .. و صراع عنصري .. و صراع عقائدي .. عالم فظيع من الخوف و القتل .
و لا أحد في السماء يرعى هذا العالم و يحفظه .
إلى هذه الحالة انتهت بنا عبادة الدجال الذي اسمه القوة المادية .
والنتيجة هي هذا الإنسان الكئيب المهموم الخا ئف القلق . وهذا الشاب الذي يدمن المخدرات في
شوارع لندن وباريس .. والانتحار والجنون الذي بلغ ذروته في بلاد الغنى والوفرة والرخاء أمثال
السويد والنرويج وأمريكا .
وإنسان المذعور الذي افتقد الأمان يحاول أن يستجلب لنفسه هذا الأمان بالوسائل الصناعية
التكنولوجية .. عن طريق عين سحرية يضعها على الباب تعمل بالأشعة تحت الحمراء لاكتشاف
اللصوص . و جرس الإنذار للخزينة . و رسم كهربائي للقلب كل شهر لاكتشاف الجلطة قبل أواا
. و أجهزة تكييف للحر و البرد و بوالص تأمين . و عشرات الأصناف من الفيتامينات و المسكنات
و المنبهات و عش رات الأجهزة التي توفر الجهد و القوة العضلية .
و كل وسيلة مادية تحتاج بدورها إلى وسيلة مادية أخرى لتؤمنها . و في النهاية لا أمان ، بل مزيد
من الخوف و القلق و سعار نحو مزيد من الوسائل المادية بلا جدوى .
و ينسى الإنسان في هذا التيه الذي أضاع فيه عمره أنه أخ طأ منذ البداية حينما تص ور أن هذا العالم
بلا إله و أنه قذف به إلى الدنيا بلا نواميس تحفظه و بلا رب يسأله .
و أخطأ مرة أخرى حينما عبد القوة المادية و جعل منها مصدرًا لسعادته و هدفاً لحياته و غاية لسعيه
، و أقامها مكان الله . و تصور أا يمكن أن تمنحه الأمن و السكينة و الاطمئنان المفتقد ، و أا يمكن
أن تحفظه من الموت و الدمار ، فإذا هي نفسها التي تسلبه سكينة النفس ، ثم إذا ا في النهاية تصبح
أدوات الحروب التي تدمره و تبعثره أشلاء .
و أخطأ مرة ثالثة حينما تصور أنا الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء علوم و أن الد ين خرافة .
و لو انه فكر قليلاً لأدرك أن الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء هي في الواقع علوم جزئية تبحث في
الجزيئات و العلاقات و المقادير و الكميات .. و أن الدين علم كلي يبحث في ا لكليات .. بل هو
www.elaosboaonline.com
٥٣
منتهى العلم لأنه يبحث في البدايات الأولى للأشياء و النهايات المطلق ة للأشياء ، و الغايات النهائية
للوجود ، و المعنى العالم للحياة و المغزى الكلي للألم .
الكيمياء و الطبيعة و الكهرباء هي العلوم الصغيرة .
و الدين هو العلم الكبير الذي يشتمل على كل العلوم في باطنه .
و لا تعارض بين الدين و العلم ، لأن الدين في ذاته منتهى العلم المشتمل بالضرورة على جميع لعلوم .
و الدين ضروري و مطلوب لأنه هو الذي يرسم للعلوم الصغيرة غاياا و أهدافها و يضع لها وظائفها
السليمة في إطار الحياة المثلى .
الدين هو الذي يقيم الضمير .
و الضمير بدوره يختار للطاقة الذرية وظيفة بناءة .. و لا يلقى ا دمارًا و موتًا على الأبرياء .
و هو الذي يهيب بنا أن نجعل من الكهرباء وسيلة للإضاءة لا وسيلة للهلاك .
و الدين هو الذي يدلنا على أن كل العلوم وسائل هي الأخرى . و المادة ذاا مخلوقة مثلنا و ليست
إلهاً يعبد .. و أا لا تستطيع أن تمنح الإنسان الأمن و السكينة و الس عادة .. و أا من طبيعتها
التحلل و الفساد و التبدل و التغير شأا شأن ذلك الكون الناقص و أا لا تصلح سندًا و لا تشكل
قوة حقيقية .
و التقدم المادي مطلوب و لكنه وسيلة لا أكثر من وسائل الإنسان المتحضر و لا يصح أن يكون
غايته .
و الدين لا يرفض التقدم المادي و لكنه يضع في مكانه كوسيلة لا غاية .
و الدين لا يرفض العلم بل يأمر به و يحض عليه و لكنه يضعه في مكانه كوسيلة للمعرفة ضمن
الوسائل العديدة التي يملكها الإنسان كالفطرة و البصيرة و البداهة و الإلهام و الوحي .
و رفض العلم و رفض الأخذ بالوسائل المادية المتقدمة خطي ئة مثل عبادة هذه الوسائل و الخضوع لها
سواء بسواء ، و هو أحد أسباب التأخر في بلادنا .
و أنت تجد في الشرق أحد اثنين .. تجد من يرفض العلم اكتفاء بالدين و القرآن .. و تجد من يرفض
الدين اكتفاء و عبادة للعلم المادي و الوسائل المادية .
و ملا الاثنين سبب من أسباب النكبة الحضارية في المنطقة .. و كلاهما لم يفهم المعنى الحقيقي للدين
و لا المعنى الحقيقي للعلم .
و الدين ، و الإسلام خاصة ، يعتبر العلم فريضة .. و يقول نبينا إن من مات مهاجرًا في سبيل العلم
فقد مات شهيدًا .. و عن العلماء ورثة الأنبياء .. و إن علينا أن نطلب العلم و لو في الصين .. و
أول كلمة نزلت في القرآن هي ( (اقر أ)) .
و الإسلام دين عقل يخاطب أتباعه بالمنهج العقلي .
www.elaosboaonline.com
٥٤
فالعلم و التقدم العلمي المادي له مكانه العظيم في ديننا .
و لكن هو دائماً وسيلة لا غاية .. أداة لا صنم معبود ..
و هذا هو وضع الشيء في وضعه الصحيح .
فالوسيلة المادية لا تمنح النفس أمناً و لا سكينة . و إنما هي سبيل إلى الترف و الرفاهية و تيسير الحياة
.. أما القلق و الخراب الروحي فأنه يبقى و لا يزول بالرغم من وجود الفريجيدير و التلفزيون و
الريكوردر و جهاز التكييف و جميع الوسائل المادية . بل إن هذا القلق و الخراب الروحي يتفاقم
بازدياد خضوع الإنسان لهذه الوسائل و جريه وراءها .
و لا تترل السكينة على القلب و لا تعمر الروح بالطمأنينة و الأمان إلا بوسيلة واحدة هي الاعتقاد
بأن هناك إلهاً خلق الكون و أن هذا الإله عادل كامل .. و أنه هيأ الكون نواميس تحفظه و قدر فيه
كل شيء لحكمة و سبب و أننا راجعون إليه . و أن آلامنا و عذابنا لن تذهب عبثاً . و أن الفرد
حقيقة مطلقة و ليس ترساً في آلة مصيره إلى التراب .
هذا اليقين الديني هو وحده الذي يرد للإنسان اعتباره و كرامته و ليس الفريجيدير و التلفزيون و
الريكوردر و لا أية وسيلة مادية مهما عظمت .
و ذا اليقين تترل السكينة على القلب و يصل الإنسان إلى حالة من العمار الروحي و التكامل
الداخلي و يشعر بنفسه أقوى من الموت و أقوى من الظلم .
و ذا اليقين يجابه أعظم الأخطار و يقهرها فهو بإيمانه في حصن أقوى من دروع الدبابات . حصن
لا سبيل إلى اختراقه بأي قذيفة . لأنه حصن يعبر الموت ذاته .
و ذا الإيمان يشعر الإنسان أنه استرد هويته و أنه أصبح هو هو حّقاً .. و أنه أدرك ذاته و تعرف
على نفسه و مكانته من خلال إدراكه للإله الواحد الكامل .
و الذي جرب هذا الشعور النادر يعلم أنه حالة من الاستنارة الداخلية و أنه ليس افتعالاً .. و ليس
استجلابًا مزيفاً للأمان .. و إنما هو الحق عينه .. و أنه الصحو و ليس الحلم .
و إنا نعلم أمر هذا اليقين من حال نقيضه ..
من حال كثرة الناس الذين يعبدون الدجال ..
مسيخ العصر الذري ذو المخ الإلكتروني .
هذه الكثرة التي تتصارع بالمخلب و الناب و تأكل المخدرات و تتخبط على أبواب الجنون و الانتحار
و تنحدر في خطوات دموية إلى حرب عالمية ثالثة .
و سوف تقول لك فطرتك أي الاثنين على حق ؟
هذه الكثرة التي يأكل بعضها بعضاً و تتآكل حقدًا و غلاً و ضراوة .. أم هذه القلة التي نزلت على
قلوا ال سكينة و أدركت أن هناك إلهاً ..
www.elaosboaonline.com
٥٥
* * *
و الدين لا يرفض الحياة و لا يرفض العقل .
و الإسلام بالذات ينطلق من مبدأ حب الحياة و الحرص عليها و رعايتها ، و بحض على احترام
العقل و على طلب العلم و يقدم شريعة عصرية توحد بين الروح و الجسد في التئام فريد .. لا
الروح تط غى على الجسد و لا الجسد يطغى على الروح و إنما يتصرف الاثنان على أما واحد ..
فهو لا يطلب كنا أن نميت الشهوة و إنما يطلب منا أن ننظمها و نوجهها في إطار العلاقة
المشروعة .. و معيار التقوى عنده ليس الانقطاع للعبادة و العزلة و الرهبانية .. و إنما معيارها
العمل .. تسبيح الروح لا بد أن يقترن بعمل اليدين و سعي القدمين من أجل خير اتمع و نفعه
.. و الصلاة لا يكفي فيها خشوع النفس و إنما لا بد أن يعبر الجسد عن الخشوع هو الآخر و
في ذات الوقت بالركوع و السجود ..
و الصلاة الإسلامية هي رمز لهذه الوحدة التي لا تتجزأ بين الروح و الجسد . .الروح تخشع و
اللسان يسبح و الجسد يركع .
و الطواف حول الكعبة رمز آخر لدوران الأعمال حول القطب الواحد .. و استهداف الحركات
و الأفكار لهف واحد هو الخالق الذي خلق الإنسان حيث لا موجود بحق إلا هو ، و حيث كل
شيء منه و إليه .. و الطواف هو التعبير الجسماني و النفساني و الروحاني لهذا التوحيد .
و ذا يعيد الإسلام إلى الإنسان التئامه روحاً و جسدًا و يعيد إليه السكينة فينتهي ذلك الصراع
الأزلي بين الشهوة و العقل ، و يولد منهما شيء جديد هو الشهوة العاقلة البصيرة التي يتوحد
فيها النقيضان .. كما تتوحد الع اطفة مع الفكر و الباطن مع الظاهر فلا نعود نرى ذلك المخادع
يخالف قلبه عقله و يخالف عقله قوله و يخالف قوله فعله .. و إنما يقوم مقام ذلك الإنسان المفكك
الممزق .. إنسان جديد توحد روحاً و جسدًا .. و قو ً لا و فعلاً .. و باطناً و ظاهرًا ..
و بوصول الإنسان إلى وحدته مع نفسه يصل إلى وحدته مع ربه .. و هي حالة القرب التي
يدخل ا الإنسان دائرة الضوء و يضع قدمه على حافة الملكوت .
و يدور الإسلام حول هذه الفكرة المحورية .. فكرة التوحيد .. و يؤكد القرآن هذا المعنى في كل
حرف و كل كلمة و كل آية و يكرره بمختلف الصور و القصص و الأمثلة و الحكم و العبر .
و الإسلام يقدم للعصر المادي باب النجاة الوحيد و الحل الوحيد و المخرج الوحيد .. فهو يقدم
إليه كل تراثه الروحي دون أن يكلفه أن يترل عن شيء من مكتسباته العلمية أو تفوقه المادي ..
و كل ما يريده الإسلام هو أن يحقق الاقتران الناجح و التزاوج الناجح بين المادة والروح لتقوم
مدينة جديدة هي مدينة القوة و الرحمة ، حيث لا تكون القوة المادية مسخاً معبودًا و إنما تكون
www.elaosboaonline.com
٥٦
أداة و وسيلة في يد القلب الرحيم .. و بذلك يتم تحطيم المسخ الدجال .. و تقوم دولة الإنسان
الكامل .
* * *
و جواباً على الذين يسألون في حيرة : لماذا خلقنا الله ؟ لماذا أوجدنا في هذه الدنيا ؟ و ما حكمة
هذا العذاب الذي نعانيه ؟
يجيب القرآن بمجموع آياته .. إن الله أنزل الإنسان إلى الدنيا بفضول مفطور فيه .. ليتعرف على
مجهولاا ثم يتعرف على نفسه . و من خلال إدراكه لنفسه يدرك ربه .. و يدرك مقام هذا الرب
الجليل فيعبده و يحبه و بذلك يصبح أهلاً لمحبته و عطائه .. و لهذا خلقنا الله .. و هذا الهدف
النهائي .. ليحبنا و يعطينا .. و هو يعذبنا ليوقظنا من غفلتنا فنصبح أهلاً لمحبته و عطائه .
بالحب خلق
و للحب خلق .
تبارك و تعالى في سماواته ، الذي خلقنا ب اسمه الرحمن الرحيم .
تم بعون الله