السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما ينتشر اليوم
عن " معجزات الطبيعة " !
السؤال:
انتشرت في الآونة الأخيرة
عبر المواقع والمنتديات مواضيع تحتوي على صور وملفات صوت وفيديو تعبر عن معجزات .. كخروج
نافورة من الرمال في الصحراء ، وظهور لفظ الجلالة على جلود الماعز .. وسحابة
ترسم لفظ الجلالة ، والفتاة التي تحولت إلى حيوان .. ومعظم هذه الأشياء تكون غير صحيحة وملفقة ..
وهذه
الأشياء منتشرة جدا . فما هو الحكم في مثل هذه الأشياء ؟
الجواب:
الحمد لله
آيات
الله في هذا الكون كثيرة ، فكل ذرة فيه تشهد له سبحانه بالعظمة
والجلال
، وتنطق له بالوحدانية .
قال
الله عز وجل : (حم . تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ
الْحَكِيمِ
. إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ . وَفِي
خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ . وَاخْتِلَافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ
مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ
الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ . تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا
عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ
يُؤْمِنُونَ ) الجاثية/1-6
وهكذا
جاءت دعوة التأمل والتدبر في عشرات الآيات في القرآن الكريم ، تحث
على
النظر في آيات الكون الظاهرة للعيان ، لتتفكر فيها فترجع منها باليقين
بالخالق
، وبالإيمان بوحدانيته سبحانه .
والسمة
المشتركة بين هذه الآيات هي الظهور للعموم ، فالسماء والأرض والجبال
والشمس
والقمر والأنعام والمطر والنفس وغيرها ، كلها آيات يشترك في
رؤيتِها
ومعرفتِها جميعُ البشر ، ويتمكن كل إنسان من إدراك عظمتها ودلالتها
على
الرب الخلاَّق ، وإن كان فيها للعالِم مِن الأسرار التي يختص بها دون
العامي
، ولكنها باديةٌ للجميع ، يستخرج منها كلٌّ بِحَسَبِهِ .
أما
ما ينتشر اليوم من حديث عن " معجزات الطبيعة " ومنها الأمثلة التي
ذكرها
السائل ، فمن حيث قدرة الله تعالى ، فإن الله على كل شيء قدير ،
كظهور
لفظ الجلالة على جلود الماعز أو على بيضة ، أو مسخ بعض الناس .
بل
نؤمن بأن المسخ سيقع ، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم . فقد روى
الترمذي
(2212) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ
: ( فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ . فَقَالَ
رَجُلٌ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَتَى ذَاكَ ؟ قَالَ : إِذَا ظَهَرَتْ
الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ ) صححه الألباني في صحيح الترمذي .
هذا
بالنظر إلى قدرة الله تعالى ، وأما بالنظر إلى وقوع هذه " المعجزات " ! فإن أكثر ما ينتشر اليوم
منها لا حظَّ له من التوثيق والتوكيد ، وأغلب ما يتناقله الناس منها إنما
هي أحاديث مجالس ، وصور منتديات ، لا يُدرَى مصدرُها ولا منشؤُها .
أفبمثل
هذه الحكايات يحتج المسلم على صحة دينه وعقيدته ؟!
وهل
نقصت عنه أدلة الفطرة واليقين كي يلجأ إلى تلك الإشاعات ؟!
والموقف
الصحيح من هذه الأخبار ، هو التوقف فيها ، فلا نصدقها ، لاحتمال
أنها
كذب ، ولا نكذبها ، لاحتمال أنها صدق ، ما لم يكن عندنا دليل واضح على
صدقها
أو كذبها فنجزم به حينئذٍ .
فينبغي
على المسلم العاقل – الذي يعي ضوابط التلقي والاستدلال – التأني في
الإيمان
بها والتصديق لها ، فضلا عن نشرها ودعوة الناس إلى التسبيح بعجبها .
غير
أن الذي وقع خلاف ذلك ، حيث انساق كثيرون وراء هذه " الحكايات " ،
فراحوا
ينشرونها ويتحدثون بها في المجالس ، ويتناقلونها في جوالاتهم
ورسائلهم
، ثم يفاجؤون بعد أيام أنها كذب مصنوع مختلق ، نشره بعض المتحمِّسين للدين - جهلا
وسذاجة - ، أو بعضُ الملحدين الحاقدين - استهزاءً وسخرية - ، مما كان السببَ
في فتنة الكثيرين ، والله المستعان.
فالذي
ننكره هو التسرع في إثباتها ، وإلباسها لَبوس الإعجاز والتحدي ،
ودعوة
الناس إليها ، واتخاذها شكل الظاهرة المتفشية التي لا حدود لها ، فكل
يوم
يحمل منها قصة جديدة وحكاية.
حتى
وصل الحال إلى صور من السخافة التي يترفع عن تصديقها العقل السليم ،
ترى
ذلك في حكاية " صوت زئير الأسد " الذي يسمع فيه بعضهم - شططا وتكلفا - صوت لفظ الجلالة .
وأشنع
من ذلك وأسوأ : ما بلغ في بعض البلاد من التبرك والتمسح والاستشفاء
بشجرة
ظهر على جذعها لفظ الجلالة ، ثم تبين بالبحث أنه منحوت بفعل فاعل
يريد
إضلال الناس .
فعلى
المسلمين التوقف عن ترويج مثل هذه الشائعات ، التي قد تكون سبباً
لإضلال
الناس
.
ونسأل
الله تعالى أن يفقهنا في ديننا .
والله
أعلم .